الجمعة، ديسمبر 31، 2010

ᆻ هـذا الـفَـتـى الـسَّـجـاد سـرُّ الـوُجـود ᆻ


*
[ قـر
حـت جـفـونـك مـن قـذى وسـهـاد إن لـم تـفـض لـمـصـيـبـة الـسـجـاد ]

*
عاش وريث الامامة 57 سنة . قضى منها 35 سنة في البكاء والنحيب والونين على أبيه سيد الشهداء . لقب الامام بزين العابدين لكثرة تعبده لله عز وجل . ولقب بالسجاد لكثرة سجوده لخالقه تعالى . ولقب بالبكاء وتاج البكائين لكثرة بكائه على أبي عبدالله الحسين .

انهد ركنه ، وانكسر ظهره ، وانطفأ نور حياته وهو في الثالثة والعشرين من العمر ، حينما رأى أبيه وأهل بيته قتلى على ثرى الطفوف ، قد نزع السيف منهم الأرواح . وشهد بعدها ضياع أيتام أبيه وضياع عماته وذلهن في الأسر والسبي .
*
وكان الامام صائم نهاره ، قائماً ليله ، فإذا حضره الإفطار جاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه ، ويقول : ( كل يا مولاي )
فيقول : ( قتل ابن رسول الله جائعاً ، قتل ابن رسول الله عطشاناً ) . ولا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه .

حتى قال له مولى له : ( جعلت فداك يا ابن رسول الله ، إني أخاف أن تكون من الهالكين )

قال عليه السلام : ( إنما أشكو بثي وحزني الى الله وأعلم من الله مالا تعلمون ثم إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة ) .
*
روي عن الصحابي جابر بن عبد الله الانصاري أنّه قال : ( كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحسين في حجره وهو يلاعبه فقال صلى الله عليه وآله وسلم : يا جابر، يولد له مولود اسمه عليّ ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ليقم سيّد العابدين فيقوم ولده ، ثم يولد له ولد اسمه محمّد ، فإن أنت أدركته يا جابر فاقرأه منّي السلام )

وكان محمد ابن الامام زين العابدين حاضراً في كربلاء ، وكان له من العمر ثلاث سنوات ، وكان محمد الباقر هو الامام من بعد أبيه زين العابدين ، وكان كأبيه عالماً فقيهاً ، عابداً زاهداً ، وريث علم الأنبياء والأوصياء .
*
كان طاووس اليماني في الكعبة يطوف اذ رأى علي بن الحسين عليه السلام يطوف من العشاء الى السحر ويتعبد ، فإذا لم يرى أحداً وعاد الحجاج الى منازلهم رمق السماء بطرفه وقال : ( الهي غادرت نجوم سماواتك وهجعت عيون أنامك وأبوابك مفتحات للسائلين جئتك لتغفر لي وترحمني وتريني وجه جدي محمد في عرصات القيامة ) .
ثم سمعه يبكي ويقول : ( وعزتك وجلالك ، ما أردت بمعصيتي مخالفتك وما عصيتك اذ عصيتك وأنا بك شاك ، ولا بنكالك جاهل ولا لعقوبتك متعرض ولكن سولت لي نفسي وأعانني على ذلك سترك المرخى عليّ فالآن من يستنقذني من عذابك وبحبل من أعتصم ان قطعت حبلك عني ، فوا سوأتاه غداً من الوقوف بين يديك ، اذا قيل للمخفين جوزوا وللمثقلين حطوا أمع المخفين أجوز؟ أم مع المثقلين أحط؟ ويلي كلما طال عمري كثرت خطاياي ولم أتب . أما آن لي أن أستحي من ربي )
ثم بكى وأنشأ يقول :
*
أتـحـرقـنـي بـالـنـار يـا غـايـة الـمـنـى ،،، فـأيـن رجـائـي ثـم أيـن مـحـبـتـي
أتيــت بأعـمـال قـبـاح زريـة ،،، ومـا فـي الـورى خـلـق جـنـى كـجـنـايـتـي

*
ثم بكى وقال : ( سبحانك تعصى كأنك لا ترى ، وتحلم كأنك لم تعص، وتتودد الى خلقك بحسن الصنيع كأن بك حاجة اليهم وأنت يا سيدي الغني عنهم ) .
فخر الى الأرض فدنى منه وجعل رأس الامام في حضنه ، ثم سالت دموعه على وجهه الشريف ، فاستوى جالساً وقال : ( من الذي شغلني عن ذكر ربي؟ )
فقال : ( يا بن رسول الله انا طاووس اليماني ماهذا الجزع والفزع؟ ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا ، فنحن العاصون الجانون . وأنت أبوك الحسين وأمك الزهراء وجدك رسول الله ) .
فالتفت اليه وقال: ( هيهات يا طاووس ! دع عنك حديث أبي وأمي وجدي فقد خلق الله الجنة لمن أطاعه وأحسن ولو كان عبداً حبشياً وخلق النار لمن عصاه وأساء ولو كان سيداً قرشياً ألم تسمع قوله تعالى : { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون }
*
وقد ترك الامام السجاد للبرية ارث عظيم ، وهي الصحيفة السجادية ، المليئة بالأدعية والمناجاة الخالصة لله سبحانه وتعالى . تتميز بفصاحة ألفاظها ، وبلاغة معانيها ، وعلوّ مضامينها ، وما فيها من أنواع التذلّل لله والثناء عليه ، والأساليب العجيبة في طلب عفوه وكرمه والتوسّل اليه . وترك أيضاً رسالة الحقوق ، وهي من جلائل الرسائل في أنواع الحقوق ، يذكر الإمام فيها حقوق الله سبحانه على الإنسان ، وحقوق نفسه عليه ، وحقوق أعضائه من اللسان والسمع والبصر والرجلين واليدين والبطن والفرج ، ثمّ يذكر حقوق الأفعال ، من الصلاة والصوم والحج والصدقة والهدي ، التي تبلغ خمسين حقّاً ، آخرها حق الذمّة .
*
كان حجَّاج بيت الله الحرام يرتدون لباساً واحداً هو لباس الإحرام ، وكانوا مشغولين بأعمال واحدة هي أعمال الحج ، وكانوا مستغرقين بأحاسيسهم الأخروية التي تشغلهم عن كل شخصية ومقام فكانوا بذلك سواسية لا يفرّق بينهم شيء . أما هشام بن عبد الملك ، الخليفة الأموي آنذاك ، فكان قد جلب معه الرجال والحشم ليحفظوا له أبّهته وفخامته ، وكان هؤلاء صاغرين ازاء عظمة الحجّ وسموّه المعنوي . كرَّر هشام محاولته اليائسة للمس الحجر ولكنه رجع خائباً لشدة الازدحام واجتماع الخلق ، فأمر بأن ينصب له عرش على مكان مرتفع حتى يقيّض له النظر إلى الحجيج وليملأ عينيه بتفرجه على هذا الاجتماع المهيب . وبينما هو وحاشيته على هذه الحال إذ شاهد رجلاً يعلو سيماءه التقوى والورع ، يغطي جسمه قميص أبيض مثل سائر الحجاج ، بدأ بالطواف حول الكعبة ثم توجه بخطوات مطمئنة يريد لمس الحجر الأسود ، فلما راه الناس انفرجوا قسمين وتنحّوا عنه هيبةً وإجلالاً . دهش الشاميّون لهذا المنظر العجيب ولم يستطيع أحد أن يمسك نفسه عن أن يسأل هشام قائلاً : ( من هذا يا أمير المؤمنين؟ )
فأجاب هشام : ( لا أعرفه )
والحقيقة أن هشاماً كان يعرفه حق المعرفة إلاَّ أنه قال ذلك حتى لا يرغب أهل الشام به . ولم يوجد من هو أشجع من الفرزدق الذي لم يبالِ بما سيلحقه من تشرّد وأذى إن هو أجاب ، فقال : ( أنا أعرفه! )
*
فقال الشامي : ( من هو يا أبا فراس؟ ) . فأنشأ الفرزدق قصيدته الغرَّاء في مدح الامام زين العابدين ، علي بن الحسين :
*
هـذا الـذي تـعـرف الـبـطـحـاء وطـأتـه والـبـيـت يـعـرفـه والـحـل والـحـرم
هـذا ابـن خـيـر عـبـاد الله كـلـهـم هـذا الـتـقـي الـنـقـي الـطـاهـر الـعـلـم
هـذا ابـن فـاطـمـة إن كـنـت جـاهـلـهُ بـجـدِّه أنـبـيـاء الله قـد خـتـمـوا
ولـيـس قـولـكَ هـذا بـضـائـرهِ الـعـرب تـعـرفُ مـن أنـكـرتَ والـعـجـم
*
فغضب هشام لسماع هذه القصيدة وقال للفرزدق : ( ألا قلت فينا مثلها؟ )

فقال الفرزدق : ( هات جداً كجده وأباً كأبيه وأماً كأمه حتى أقول فيك مثلها )

فأمر هشام بحبسه في عسفان بين مكة والمدينة فحُبس ولكنه لم يأبه بذلك ، فلما بلغ خبره علي بن الحسين بعث إليه باثني عشر الف درهم وقال : ( اعذرنا يا أبا فراس فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به )

فردها الفرزدق وقال : ( يا ابن رسول الله ما قلت فيك الذي قلت إلاَّ غضباً لله ورسوله وما كنت أريد أن أرزق عليه شيئاً )
*
فردَّها الامام ثانية إليه وقال : ( بحقي عليك ، تقبَّلها فقد رأى الله مكانك وعلم نيّتك )

عند ذلك قبلها الفرزدق .
*
وله أقوال كثيرة سلام الله عليه ، وهي حروف تنير للانسان طريقه ودربه ، منها :
قال عليه السلام : ( أصبحت مطلوباً بثمان : الله يطالبني بالفرائض ، والنبي بالسُنّة ، والعيال بالقوت ، والنفس بالشهوة ، والشيطان باتّباعه ، والحافظان بصدق العمل ، وملك الموت بالروح ، والقبر بالجسد ، فأنا بين هذه الخصال مطلوب )
*
[ الــســلام عــلــيــك يــا بــحــر الــنــدى
الــســلام عــلــيــك يــا بــدر الــدجــى ]

*
وكان عليه السلام رؤوفاً بالفقراء والمحتاجين ، حنوناً على الأيتام والمساكين ، وكان يحمل الجراب على ظهره في كل ليلة ويطوف بها على بيوت الفقراء يطعمهم . وكان الناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين معاشهم ، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل .

وقال بعض أهل المدينة : ( ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين )
*
ولما استشهد الامام سلام الله عليه ، وحين غسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سواد في ظهره وقالوا : ( ما هذا؟ )

فقيل : ( كان يحمل جرب الدقيق ليلا على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة )
*
[ هـل ذاق طـعـم الـزاد طـول حـياتـه إلا ويـمـزج دمـعـه بـالـزاد ]
*
روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : ( البكّاؤون خمسة : آدم و يعقوب و يوسف و فاطمة الزهراء و علي بن الحسين السجاد عليهم السلام )
*
صحب الامام أحد أصحابه ذات يوم في الليل الى الصحراء ، ورأى الامام يعبد الله ويسبحه ويقدسه في ظلمة الليل ، وهوى الى السجود وبكى بكاءً شديداً ، فلما رفع رأسه قال له : ( يا مولاي أما آن لحزنك أن ينقضي؟ ولبكائك أن يقل؟ )

فأجابه : ( ويحك ، إن يعقوب بن إسحاق النبي كان له اثنى عشر ابناً ، فغيب الله سبحانه واحداً منهم فشاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغم والهم وذهب بصره من البكاء وابنه حي في دار الدنيا ، وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين ، أفترى حزنهم يذهب من قلبي؟ )
*
وكان عليه السلام لا يترك مناسبة إلا ويذكر فيها ما جرى لأبيه وأسرته في كربلاء ، وكان يطلب المناسبة ويبحث عنها ليحدث بما جرى على أهل بيته ، فيذهب إلى سوق الجزارين في المدينة ويقف معهم يسألهم عما إذا كانوا يسقون الشاة ماء قبل ذبحها ، وعندما يسمعهم يقولون : ( إنا لا نذبح حيواناً قبل أن نسقيه ولو قليلاً من الماء ) .

*

فيبكي ويقول : ( أما أبي الحسين فلقد ذبح غريباً عطشاناً ) . فيبكون لبكائه حتى ترتفع الأصوات بالنحيب ويجتمع الناس عليه
*
وعندما دس له الأموي اللعين الوليد بن الحكم السم في طعامه ، وسرى في جسده الطاهر ، اجتمع عليه عياله يوصيهم . وأعطى مقاليد الامامة لابنه محمد الباقر ، وأوصاه : ( بني محمد لا تضيع بنتاً من بناتي بعد عيني )
*
واختنقت عبرات الامام ، ورأى مشهد ضياع عماته وأخواته بعد عين الحسين ، والخوف يعلوهن والرعب في كل ذرة من جسدهن .
*
وانطفأ نور العباد في الأرض ، وغاب العابد البكاء ، ورحل خير البرية في الـخامس والعشرين من محرم لعام 95 للهجرة . ودفن جسده الطاهر في البقيع الغرقد عند قبر عمه الحسن المجتبى عليه السلام .
*
فـالـسـلام عـلـيـك يـا زيـن الـعـابـديـن ، الـسـلام عـلـيـك يـا زيـن الـمـتـهـجـديـن ، الـسـلام عـلـيـك يـا إمـام الـمـتـقـيـن ، الـسـلام عـلـيـك يا ولي المسلمين ، الـسـلام عـلـيـك يـا قـرة عـيـن الـنـاظـريـن والـعـارفـيـن ، الـسـلام عـلـيـك يـا خـلـف الـسـابـقـيـن ، الـسـلام عـلـيـك يـا ولـي الـوصـيـيـن ، الـسـلام عـلـيـك يـا خـازن وصـايـا الـمـرسـلـيـن ، الـسـلام عـلـيـك يـا ضـوء الـمـسـتـوحـشـيـن ، الـسـلام عـلـيـك يـا نـور الـمـجـتـهـديـن ، الـسـلام عـلـيـك يـا سـراج الـمـرتـاضـيـن ، الـسـلام عـلـيـك يـا فـخـر الـمـتـعـبـديـن ، الـسـلام عـلـيـك يـا مـصـبـاح الـعـالـمـيـن .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق