الثلاثاء، نوفمبر 30، 2010

حكاية عاشق وجريمة عشق [علي]

* *
[ ربـيـت يـا عـلــــــي حـقـلاً مـن الـمـوالـي حـصّـنـتـه لـكـي يـبـدو قـويـــّـا غـذيـتـه الـمـآثـــــــر بـالـحـب والـتـفـانـــي والـشـوق لـلـحـبـيـب أيـن يـحـيـا حـصّـنـتـه بـعـشـــــق يـقـيـه عـن ســـواكَ والـشـوق فـيـكَ يـزدهـي فـتـيـّا ]

* *

صلى ركعتين ثم أسند ظهره الى جذع النخلة وقال : ( يا نخلة لي خلقت ولي غذيت ) . منذ أكثر من عشرين سنة وهو يأتي الى هذه النخلة ، يسقيها ويرعاها ويصلي بجانبها . قال يوماً لعمرو بن حريث وكانت داره قريبة من هذه النخلة : ( إني مجاورك فأحسن جواري ) ولم يكن يفهم الرجل ما يقصده .

*

كان غلاماً لامرأة من بني أسد فاشتراه أمير المؤمنين علي عليه السلام وأعتق رقبته .

سأله الامام : ( ما اسمك؟ ) ، فأجاب الغلام : ( سالم )

فرد أبا الحسن عليه السلام : ( بل اسمك ميثم ، هكذا أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )

فتعجب ، فقد سمته أمه بميثم لكن اشتهر باسم سالم . فقال : ( صدقت وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )

*

كان مسلماً من قبل أن يلتقي بالامام علي عليه السلام ، فمثل هذا الانسان لا يجوز أن يبقى على الشرك . سار على نهج الامام علي عليه السلام ، وأصبح موالياً لمن والاه ومعادياً لمن عاداه . وقربه الامام منه فصار أقرب الناس إليه ، ودخل مدينة العلم العظيمة ، مدينة العلوم التي لا تنفد مهما أخذ منها ، حيث أصبح أعلم أصحاب الامام علي عليه السلام . فأطلعه الامام على غامض أسراره وفيض علمه ، ولا يمكن للامام أن يستأمن علمه عند أحد إلا أن يكون هذا الشخص كفؤ لحمل هذه الأمانة العظيمة ، وكان ميثم مؤهل لحمل كل هذه الاسرار التي أودعها الكرار في قلبه . ولازم ميثم الامام علي عليه السلام لمدة أربع سنوات ، آخر سنوات الامام علي عليه السلام حينما كان أميراً على الكوفة ، ثم صاحب بعده الامامين الحسن والحسين عليهما السلام وتعلم من علومهما . واذا قارنا السنوات التي قضاها ميثم مع الوصي عليه السلام من حيث عدد السنين وكثرة العلوم التي أخذها ميثم منه ، نجد أن السنين كانت قليلة والعلوم كثيرة . لكن قلب ميثم كان صافياً طاهراً ، مؤمناً أشد الايمان بالله ورسوله ووصيه ، متيماً بعشق علي ، ولهذا كانت تغذيته بتلك العلوم سهلة يسيرة .

*

[ سـألـت مـاءَ الـحـبِ فـي أفـئـدةِ الـعـشـاق فـأفـصـح الـعـاشـقُ عـن مـعـشـوقِـهِ عـلـي ]

*

كان يصاحب الأمير في كل غزواته ويتعلم من حركاته وسكناته ويحفظ كلامه ويرى أفعاله ويشهد على معجزاته ، وكان يأتيه الامام علي عليه السلام عند دكانه ويجلس عنده ويحادثه ، فقد كان ميثم يعمل في بيع التمر . وحينما يجن الليل ، كان الامام يأخذ بيد ميثم الى قلب الصحراء ، فيسمع ميثم منه مناجاته لله عز وجل وعبادته ، وكانت الساعات التي يقضيها أبا الحسن في العبادة لا يحضر معه أحد ، ومع هذا كان يحضر معه ميثم ، وهذا دليل آخر على أن ميثم كان صلب الايمان وراسخ اليقين وثابت على العقيدة .

*

ومن العلوم التي علمها الامام عليه السلام له علم المنايا والبلايا ، والوقائع التي ستحدث ، وأخبره بما سيجري عليه وأخذه الى تلك النخلة وقال له أنه سيأتي يوم يصلب عليها .

خاطبه الأمير قائلا : ( كيف بك اذا دعاك دعي بني أمية الى البراءة مني؟ )

فقال ميثم : ( والله لا أفعل )

فقال علي عليه السلام : ( اذن والله تقتل وتصلب وتقطع يدك ورجلك ويقطع لسانك فتسيل دمائك )

فسأله ميثم : ( يا مولاي أفي سلامة من ديني؟ )

أجاب الامام عليه السلام : ( نعم في سلامة من دينك )

فقال : ( والله اذن لا أبالي ! )

*

[ الـعـمـر يـا عـلــــي كـالـورد فـي يـديــك يـرتـوي عـطـراً نـديـاً زكـيــاً ]

*

وهكذا .. لم يبالي عاشق علي بالذي سيجري عليه من قتل وصلب وتقطيع يد ورجل وقطع لسان ، فما دامت الجنة جزاءه ودرجة علي درجته فهذا يكفي .

لقى ميثم التمار حبيب بن أسد يوماً ، وكان الاول قادماً من جهة ، والاخر قادماً من الجهة المعاكسة فتقابلا عند مجلس بنو أسد ، ودار حديث بينهما سمعه الناس .

قال حبيب مبتسماً : ( كأني بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق قد صلب في حبّ أهل بيت نبيّه )

فقال ميثم : ( وإني لأعرف رجلاً أحمر له ضفيرتان يخرج لنصرة ابن بنت نبيّه فيقتل و يجال برأسه بالكوفة )

ثم افترقا ، و ظل بنو أسد يتهامسون وقالوا : ( ما رأينا أكذب من هذين ! )

وما كذبا وما كذب الوصي وهو الذي علمهما من علوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد رأى حبيب بن مظاهر رسول الله وسمع منه حديثه ، ثم صاحب الامام علي عليه السلام ثم ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام .

*

ومن علومه أنه كان يعلم بما سيجري من المآسي والبلاء في كربلاء ، وأن الحسين وأنصاره يقتلون قتلة شنيعة على أيدي أناس لن تنالهم شفاعة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وستكون مصيبته أعظم مصيبة في تاريخ البشرية ، وأن نساءه ستسبى وعياله ستيتم . فقد سمعت جبلة ميثماً ينعى الحسين ويقول : ( والله لتقتلن هذه الأمة ابن نبيها في المحرم لعشر مضين منه ، وليتخذ أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة ، وأنه لكائن ، قد سبق في علم الله تعالى ذكره . أعلم ذلك بعهد عهده إلي مولاي أمير المؤمنين ولقد أخبرني أنه يبكي عليه كل شيء حتى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار ، والطير في جو السماء ، وتبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والسماء والارض ، ومؤمنوا الانس والجن ، وجميع ملائكة السماوات ، ورضوان ومالك وحملة العرش ، وتمطر السماء دماً ورماداً )

وأضاف بعدها : ( ووجبت لعنة الله على قتلة الحسين عليه السلام ، كما وجبت على المشركين الذين جعلوا مع الله إلهاً آخر ، وكما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس )

*

وأخبرها ميثم بأنها ستدرك ذلك اليوم ، وأن الشمس شتصير حمراء كأنها الدم يوم مقتله . فخرجت في ذلك اليوم الرهيب ورأت ما أنبأها به فعرفت أن الامام الحسين عليه السلام قد قتل !

*

وحج ميثم في السنة التي خرج فيها الحسين عليه السلام الى كربلاء ، وذهب الى المدينة وفي نيته أن يرى الامام الحسين عليه السلام فدخل على أم سلمة رضي الله عنها فسألته : ( من انت ؟ )

قال : ( أنا ميثم ) فلم يكن ميثم قد أتى الى المدينة قبلاً ولم يرى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .

فقالت : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يذكرك ويوصي بك علياً في جوف الليل )

وهذا أيضا دليل على عظم منزلة ميثم ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوصي الامام علي عليه السلام بميثم خيراً .

فأتت أم سلمة بطيب وقالت : ( طيب بها لحيتك فإنه والله من طيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )

ففعل ما قالته ثم سألها عن الحسين عليه السلام فأخبرته بأن الامام الحسين في سفر . وأضافت قائلة : ( كثيراً ما سمعت الحسين عليه السلام يذكرك ) فقال لها : ( وأنا أيضا لا أزال أذكره ، أبلغيه عني السلام وقولي له إن الملتقى عند الله عز وجل ) ثم مضى . رجع ميثم الى الكوفة وألقي القبض عليه ، تهمته هي حب علي بن أبي طالب عليه السلام !

*

[ فـأنـا رهـنُ الـقـضـاء مـتـهـمٌ بـحـبِ عـلـي ]

*

أدخل ميثم الى سجن الكوفة ، وقابل هناك المختار الثقفي ، فأخبره ميثم أن عبيد الله سيقتله وأنه - أي المختار - سيخرج من السجن ( أخبرني حبيبي علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنك سخرج وستثأر من قتلة الحسين و أنصاره و تطأ بقدمك رأس الطاغية عبيد الله بن زياد ) وقد تحققت هذه النبوءة أيضا !

*

وقادوه الى قصر عبيد الله بن زياد ، فلما وقف أمامه سأله اللعين : ( قل لي أين ربك؟ )

قال له ميثم : ( إنه بالمرصاد لكل ظالم وأنت أحد الظلمة ! )

فاشتاط الطاغية غضباً ثم أمره : ( تبرّأ من علي ! )

فقال : ( والله لا أتبرء منه )

فسأله ابن زياد : ( ما قال صاحبك أني فاعل بك؟ )

فاستذكر ميثم ما قاله ابو السبطين عليه السلام له وكيفية قتله فقال : ( قال أنك تصلبني وتقطع يديّ ورجليّ وتقطع لساني )

فرد عليه : ( لأكذبن صاحبك ! )

*

فأمر جلاوزته أن يأخذوه الى نخلة فيصلبونه عليها ، ومروا بالطريق على رجل رأى ميثم فخاطبه قائلا : ( لقد كنت عن هذا غنيا ! )

فتبسم ميثم وأومأ الى النخلة وقال : ( والله ما نبتت هذه النخلة إلا لي ولا اغتذيت إلا لها ) . ما رضي أن يشتري رضا المخلوق بسخط الخالق ، ولا رضي أن يحيد شبراً عن درب علي . فكافح واجتهد وتحمل دروب الشوك من أجل أن يرفع كلمة الحق ومن أجل دين رب العالمين . ما رضي أن يبيع حب علي بن أبي طالب بكنوز الدنيا ، فالموت صلباً أو خنقاً أو طعناً أو الدفن حياً أو تقطيع الجسد أو حرقه أهون عليه من ترك علي ودين رسول الله والوصي . هكذا هي شيمة العاشق ، يفدي النفس والروح لأجل المعشوق . وكانت النخلة التي أخذوه إليها هي نفس النخلة التي كان يأتيها ميثم منذ أكثر من عشرون عاماً . فصلبوه عليها وقطعوا يدي ورجليه وأبقوا لسانه . وظلت الدماء تخرج من جسده وتسيل كالنهر وهو مصلوب . وكان ميثم أعجمي الأصل لكن فصيح بليغ اللسان ، فلا ننسى أنه قد صاحب سيد البلغاء والفصحاء علي بن أبي طالب عليه السلام . فاتخذ من مكان صلبه منبراً للحق ، وأخذ ينادي بالناس قائلا : ( أيها الناس هلموا واسمعوا مني الحديث المكنون ! )

*

فاجتمع الناس حوله ، وأخذ يخطب فيهم ويحدثهم بأحاديث الأمير علي عليه السلام وفضائله ومعجزاته ، ويبين أن الحق مع علي حيثما كان علي ، ويفضح بني أمية وعبيد الله بن زياد . وصبر على ألمه وعذابه ، فقطع اليد والرجل ليس بالشيء الهين ، ولكن ذاك في سبيل علي قليل !

*

[ كـنـت تـسـتـلـهـم صـبـراً عـلـويـــــــاً ]

*

ووصل الخبر الى عبيد الله بن زياد ، فخاف من أن ينقلب الناس عليه وتتغير نفوسهم تجاهه ، فبعث إليه من يقطع لسانه .

( زعم ابن الفاجرة أن يكذبني ويكذب مولاي ! ) هذا ما قاله ميثم للحارس الذي أتى ليقطع لسانه . صدق ميثم وصدق ما قاله لحبيب بن مظاهر ، وصدق حبيب فيما قاله لميثم ، فلم يمض وقت طويل حتى وقعت واقعة الطف واستشهد الحسين ومن معه ومن ضمنهم حبيب بن مظاهر وقطعوا رأسه وجالوا برأسه في طرق الكوفة . بعدها قطع لسانه وظل يشخب دماً لمدة ثلاثة أيام ، وفي اليوم الأخير من حياة ميثم أتاه رجل وأشار إليه بالحربة وقال : ( والله ما علمتك الا قوّاماً ) . فطعنه في خاصرته ففاضت روح الفدائي ميثم الى بارئها ، واجتمعت روحه بالحبيب وابن عمه الكريم.

وكان استشهاده في اليوم الثاني والعشرون من ذي الحجة لعام 60 من الهجرة ، قبل وصول الامام الحسين عليه السلام لكربلاء بعشرة أيام .

*

[ طـبـتـم وطـاب تـرب أنـتـم بـه نـزلـتــــــــــم جـنـات عـدن وخـلـداً ومـغـنـم ]

الاثنين، نوفمبر 29، 2010

سَـلامٌ عَلى الدُّنْيـا إِذَا لَمْ يَكُـنْ بِـهَا * صَـدِيقٌ صَدُوقٌ صَادِقُ الوَعْدِ مُنْصِفَـا


*
*
* صديقي .. حين يجتاحني الهم أجده بجواري يواسيني ويشد من أزري ، في السراء والضراء . حين يكون القلب مليئاً بالغم ، يكون هناك ، ماداً يده الى قلبي يطلب منه أن أثقل يده بالأحزان التي أسرت نفسي ، ليحملها عني ، ويخفف من ألمي ..
*
*
* صديقي .. في أيام طفولتي وصباي . ولعل صديقاً يصادقك في وسط العمر وتشعر أنك تعرفه مذ كنت طفلاً تحبو ، يشاركك الذكريات ، ويقرأ نظرات عينيك إن كانت بائسة أو سعيدة ، يسبقك بالكلمة التي كنت على وشك قولها ، فهذا هو القرب ، فالقلوب شواهد ..
*
*
* صديقي .. في أيام دراستي ، كم فرحنا حين نحجنا وكم حزنّا عندما أخفقنا ، وكم خفنا من غامض مستقبلنا ، كم عقدنا العزم وكتبنا الميثاق بالبقاء معاً أبد الدهر ، كم رسمنا أحلامنا وتنبأنا بها ، كم وكم وكم .. الى لا نهاية ..
*
*
* صديقي .. من هو أقرب لي منه ، بحثت في آبار الدنيا عن بئر عميق أرمي فيه مشكلاتي ، فلم أجد أوسع ولا أعمق من بئر صديقي ، بئر لا يفيض ولا يقول كفى ، بل أكاد أسمعه ينادي هل من مزيد؟ ..
*
*
* صديقي .. ومغامراتي ! فكل زاوية وفي كل مكان لنا وقفة ولنا فيها ذكرى ، ذهبنا الى ذاك المكان وتركنا أثرنا ومشينا ، وكلما نمر بقربه تزور البسمة شفاهنا حين نستذكر زيارتنا لهذا المكان سوياً ، ربما كنا فرحين حين جئناه فنفرح ، وربما كنا محزونين فنتذكر ذاك الألم ..
*
*
* صديقي .. مزج دموعه بدمعي ، وحزن لحزني ، وربت فوق كتفي لتهدأتي ، ربما أثقلت قلبه يوماً بكثرة همومي وشكواي ، فمعذرة ، وأرجو منه مسامحتي ، فإن دل على شيء فإنما يدل على ثقتي به ، وراحتي حين أشكو له ، فإنني لن أبوح بأسرار قلبي لشخص لا ألقى لديه المأوى وبيت الأمان ..
*
*
* صديقي .. أبدي اعتذاري ان أخطأت في حقك ، بكلمة قلتها أو تصرف بدر مني ، فأنا أعرف - على حد علمي - أن الأصدقاء يسامحون ويصفحون ، فأرجو منك العفو ، فلا أريد أن أنام وقلبك يحمل ضيقاً تجاهي ..