الاثنين، ديسمبر 06، 2010

▇▇ هــذا حُــسَــيْــنٌ والــزَّمــانُ مُــحَــرَّمُ ▇▇

*
*
عند ولادته أخذه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فضمه وقبله ، وأوحى اليه الله عز وجل ما يجري على هذا الطفل ، ففاضت دموعه في عينيه وجرت ، وقال: ( عزيز علي يا أبا عبدالله ) . ومنذ ذلك الوقت والرسول العظيم لا يفتأ يذكر الناس بمصيبة سبطه الحسين عليه السلام ، في كل وقت وزمان ، ومعه أصحابه أمثال سلمان الفارسي ، ومن بعده الامام علي بن أبي طالب عليه السلام وحواريه مثل ميثم التمار ، والامام الحسن عليه السلام ، يذكرون الناس بالمصيبة العظيمة وأجر من شارك فيها ونصر الامام الحسين عليه السلام في كربلاء . وبعد كربلاء أخذت مجالس العزاء تنتشر ، وأخذ ائمة أهل البيت عليهم السلام يذكرون من حولهم بتلك الرزية التي حصلت ، وعقاب قاتليه وظالميه ، وأجر من نصره ، وأجر من بكى عليه . وآخر دمعة ذرفها النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم للحسين هي عند دنو المنية منه ، حيث ضمه الى صدره الشريف وبكى وقال: ( مالي وليزيد ! ) .
*
ومن أحاديث النبي والائمة عليهم السلام في الحث على البكاء على الحسين عليه السلام :

منها ما قاله رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : ( إن لقتل الحسين حرارة فى قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً )

وقال : ( كل عين باكية يوم القيامة الا عين بكت مصاب الحسين )

وقال الامام الرضا عليه السلام لدعبل الخزاعي : ( يا دعبل من بكى على مصاب جدي الحسين غفر الله له ذنوبه البتة )

وقال أيضا : ( إن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء ، وأورثنا الكرب والبلاء الى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإن البكاء تحط الذنوب العظام )
*
ونعى الامام الحسين عليه السلام نفسه قائلا : ( انا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن الا بكى )

وغيرها كثيرة
*
[ ضـمَّـنـي عـنـدك يـا جـدَّاهُ فـي هـذا الـضـريـح عـلَّـنـي يـا جـدُّ مـن بـلـوى زمـانـي أسـتـريـح
ضـاق بـي يـا جـد مـن رحـبِ الـفــضـا كـل فـسـيـح فـعـسـى طـود الأسـى يـنـدكُّ بـيـن الـدكـتـيـن ]
*
أُجبر الامام الحسين عليه السلام على الخروج من المدينة ، بعد أن مات معاوية وأخذ يزيد يحاول أن يسلب الخلافة من الامام الحسين عليه السلام فبعث كتاباً الى مواليه في المدينة يأمرهم بأخذ البيعة من الامام الحسين عليه السلام وإن أبى فيقتل । فجمع الحسين اخوته وعياله وأعد العدة للرحيل . وقبل أن يصبح الصباح ذهب الامام الحسين عليه السلام الى زيارة جده النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم زيارة مودع لا عودة له ، فصلى عنده ركعات ورفع يده للدعاء ، وشكى الى جده همومه وآلامه ، وما نوى عليه القوم من أذيته . فبكى عليه السلام ثم غفى على القبر الشريف ، ورأى في رؤياه جده العظيم ، أتاه وقبّل ما بين عينيه وضمه الى صدره قائلا : ( حبيبي يا حسين كأني أراك عن قريب مرملاً بدمائك ، مذبوحا بأرض كرب وبلاء بين عصابة من أمتي ، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى وظمآن لا تروى ، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي يوم القيامة ، لا أنالهم الله شفاعتي )
*
بعدها بساعات ، تجهز ركب الامام الحسين عليه السلام للمضي الى مكة ، حيث سيطوف طواف الوداع ثم يتجه الى العراق . أخذ كل أهله ما عدا القليل منهم ، وحين اعترض بعض أصحابه على أخذه للنساء ، قال عليه السلام : ( شاء الله أن يراهن سبايا ) . وفي كلام له مع أخيه محمد بن الحنفية حين عارضه على خروجه : ( إني لم اخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ) . ثم رأتهم فاطمة وهم يتأهبون للسفر ، وكانت طفلة صغيره من عيال الامام الحسين عليه السلام ، هدّها المرض والضعف وخاف عليها الامام الحسين من السفر وطول الطريق ، فأبقاها في المدينة وائتمنها عند أم سلمة وأم البنين وعند أخيه محمد بن الحنفية ، تعلقت فاطمة العليلة بأبيها الامام الحسين ترجوه أن يأخذها ، فصعب عليه منظرها ، فبكى وضمها وطمنها بأنهم سرعان ما يعودون إليها ، وهو يعلم في قرارة نفسه أن لا رجوع بعد هذا الرحيل ، وأنها ستتجرع الغصص والآلام من بعدهم . وعندما أيقنت الصغيرة أن الكل ماض ، رجت أبيها بأن يترك عندها أخيها عبدالله الرضيع لكي يؤنسها في وحدتها ، لكن الامام الحسين عليه السلام أجابها : ( بنية إنه طفل صغير لا يقدر على فراق أمه )
*
عقد العباس عليه السلام لواءه ، وشقت قافلة الحسين عليه السلام طريقها مودعة أرض المدينة ، تبحر في عرض الصحراء الى مكة .

وكانت فاطمة العليلة في كل يوم تخرج من البيت وتجلس عند عتبة الباب تنتظر أهلها ، أو تخرج خارج المدينة تستفهم عن قافلة أبيها ، وعندما تيأس تذهب الى قبر جدها النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم تشكو له لوعة الفراق . فكم هي موحشة الدار من دون أهلها ومظلمة ، غاب عنها نور الحسين ونور أخيه قمر العشيرة أبو الفضل العباس ، وغاب عن عينها اخوتها وأخواتها وعماتها زينب وأم كلثوم . وفي يوم شاهدت أعرابي خارجاً من المدينة قاصداً نحو العراق ، فأعطته رسالة يوصلها الى أبيها الحسين عليه السلام ، ووصلت هذه الرسالة الى الامام الحسين عليه السلام في اليوم العاشر من المحرم !
*
[ وقـد انـجـلـى عـن مـكـة وهـو ابـنـهـا وبـه تـشـرفـت الـحـطـيـم وزمـزم ]
**
عند انتهائه من طواف الوداع ، وعندما أتت الى الامام الحسين كتب أهل الكوفة تبايعه على الخلافة وأنها لا تريد يزيداً خليفة عليها ، وأنه أحق بالخلافة منه ، خرج عليه السلام من مكة مسرعاً ، فقد خاف أن يهتك الاعداء حرمة البيت الحرام باستباحه دمه ، وخشى أن يقتل في تلك الارض المقدسة . وفي الوقت الذي خرجت منه قافلة الحسين من مكة ، كانت قوافل الحجاج تتدفق كالسيل ، فلما رأى الناس أن الحسين لا ينوي أن يحج في تلك السنة ، غيروا وجهتهم وذهبوا معه . وكان حج الامام الحسين في سنة 61 للهجرة هي الحج نحو كربلاء . وخطب الامام أول خطبة في الناس قال فيها : ( خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني الى أسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف ، وخير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشاً جوفا . لا محيص عن يوم خط بالقلم . رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفينا أجورنا أجور الصابرين ، لن تشذ عن رسول الله لحمته وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه وينجز بهم وعده ، فمن كان باذلاً فينا مهجته ، وموقناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ، فإني راحل مصبح ان شاء الله ) .
*
وبعث الامام الحسين عليه السلام ابن عمه مسلم بن عقيل الى الكوفة ، لكي يكون عين الحسين هناك ويستقبله حين وروده الى الكوفة . وذهب مسلم الى الكوفة واجتمع حوله جمع غفير من الناس يعطونه العهد بمبايعة الامام الحسين عليه السلام ، فكتب مسلم كتاباً الى الامام الحسين عليه السلام كتب فيه أن يأتي الى الكوفة فالناس في صفه ضد يزيد . ولكن السلطة الاموية أخذت بترهيب الناس وتخويفهم ، فخشى الناس من قوتهم وسلطانهم فتركوا مسلم وحيداً في أزقة الكوفة ، فقبضوا عليه واقتادوه الى عبيد الله بن زياد ، حيث أمرهم بقتله ، وكان أول شهيد يقتل في سبيل الامام الحسين عليه السلام . وعلم الامام أبا عبدالله بأمر مقتل مسلم ، فبكى عليه وظهرت عليه علامات الحزن والأسى لفقده . وأرسل عبيد الله بن زياد اليه جنود تسلك معه طريقاً لا يدخله الى الكوفة ولا يرجعه الى مكة ، وكان قائدهم هو الحر بن يزيد الرياحي . فساروا بهم حتى وصلوا الى أرض نينوى .
*
[ كلُّ خـوفـي عـلـى الـحـسـيـنِ حـبـيـبـي .. مـنـذ أن شـاء قـلـبـهُ كـربـلاءا
وعـدهُ أن يـسـيـر لله ذبـحـاً .. رابـط الـجـأش لا يـروم انـحـنـاءا ]
*
سار الامام علي بن أبي طالب الى معركة صفين ، وفي أثناء طريقه ، وحين حاذوا نينوى ، تأثر الامام ، وترقرت عيناه بالدموع ، ورفع صوته قائلا : ( صبراً أبا عبد الله ، صبراً أبا عبد الله ، بشط الفرات ) . فاستغرب من كان معه من قوله هذا واستعلموه عن الامر ، فنعى إليهم الحسين عليه السلام وما يجري عليه من القتل ، وأومأ بيده الى تلك الأرض قائلاً : ( ها هنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم ، وها هنا مهراق دمائهم ) .
*
كان الامام الحسين عليه السلام واخوته يحفون بهوادج النساء ، وكان العباس عليه السلام مخصوصاً بهودج السيدة زينب بنت علي عليهما السلام . فهذه وصية أوصاها له الامام علي عليه السلام قبل استشهاده ، أن يكون كفيلاً لزينب . وكان أبو الفضل عليه السلام يحف بمحمل زينب بنت علي فاذا مال المحمل يميناً عدله الى الشمال ، واذا مال الى الشمال عدله الى اليمين . كان يدور حول محملها وهو يستذكر آخر يوم في حياة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام . ففي ذلك اليوم وفي تلك اللحظات العصيبه التي جرت على الامام علي وأولاده ، اقتربت منه السيدة زينب وقالت له : ( أبه حدثتني أم أيمن بحديث كربلاء وأريد أن أسمعه منك ) ، فأجابها متألماً من هذه الذكرى : ( بنية إن حديث كربلاء ذو شجون . والخبر كما حدثتك أم أيمن وأنك ونساء من بني هاشم تدخلون سبايا الى هذه البلدة )
فقالت متسائله : ( أأسبى ولي من الاخوة سبعه عشر؟! )
فقال لها : ( ها هم أمامك كلهم أبطال فاختاري لك بطلا يحميك )
جالت عيونها متنقله بين أوجه اخوتها ، هذا هما الحسنان ابنا فاطمة ، والامامان من بعد أبيها علي ، ثم استقرت عيناها على ليث تهاب منه الاسود ، وجهه جميل تخشى أجمل الاشياء أن تقارن نفسها به ، نال لقب قمر بني هاشم عن جدارة ، فوقع اختيارها عليه . فوضع الامام علي عليه السلام يده بيدها وائتمنها وديعة عنده وكان العباس كفؤ لهذه الامانه وهذه الوديعه ، فلم يفارقها الا عندما سقط مهشم الرأس في ساحة الوغى . وما أقرب تلك اللحظات الآن وهم يقتربون من كربلاء . ومنذ أن دخلوا تلك الارض تجمعت الهموم والأكدار على قلب الحوراء ، لعلمها أن بهذه الارض ترى مصارع أحبائها ، وترى أجسادهم مقطعة أمام عينها مضرجه بالدماء ، حلت ضيفة في هذه الارض فما هي الا أيام ومثل ما أتت تلك القافلة ترحل من جديد لكن دون رجال . وقام الامام الحسين عليه السلام مخاطباً اصحابه يبيّن لهم المصير الذي ينتظرهم : ( إنّه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون ، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت ، وأدبر معروفها ، واستمرّت حذّاء ، ولم تبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء ، وخسيس عيشٍ كالمرعى الوبيل ، ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به ، وإلى الباطلِ لا يُتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً، فإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برماً ) .
*
[ يـا هـلالاً تـقـوَّس اسـتـحــيـاءا .. ذبـت فـي مـقــلـتـي فـسِـلـت دمـاءا
لا أرى فـيـك مـن ولـيـدٍ ســعـيـدٍ .. بـل حـسـامـاً يـمـزِّق الأشـلاءا ]
**
كان وصول الامام الحسين الى تلك الارض التي تشرفت بضم جسده في الثاني من محرم لعام 61 للهجرة .

وعندما وطأت أقدامهم تلك الارض ، أعرض فرس الامام الحسين عن الحراك ، فغيّره وركب فرس آخر ، حركه يميناً وشمالاً ما تحركت خطوة واحدة ، ولم يزل يغير الفرس حتى غير سبعة أفرس ما تحركت كلها . فراح يسأل أصحابه : ( يا قوم ما اسم هذه الارض؟ ) ، قيل له : ( أرض الغاضرية )
قال : ( فهل لها اسم غير هذا ؟ ) قالوا : ( تسمى نينوى )
قال : ( هل لها اسم غير هذا ؟ ) قالوا : ( تسمى بشاطئ الفرات )
قال : ( هل لها اسم غير هذا ؟ ) قالوا : ( تسمى كربلاء )

*
فعند ذلك تنفس الصعداء وقال : ( اللهم اني أعوذ بك من الكرب والبلاء ) ، وخاطب أصحابه قائلا : ( قفوا ولا ترحلوا ، فها هنا مناخ ركابنا ، وهاهنا سفك دمائنا ، وهاهنا هتك حريمنا ، وهاهنا والله قتل رجالنا ، وهاهنا والله ذبح أطفالنا ، وهاهنا والله تزار قبورنا ، وبهذه التربة وعدني جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق