السبت، ديسمبر 11، 2010

.. ذا حَبيبٌ وزُهَيرٌ وبُرَيرٌ وهِلال ..

*
*
[ وقـد قـال أحـمـد مـن قـبـلـهـا أحـبُّ عـقـيـلاً وآلَ عـقــيـل ِ ]
*
قال ولي الله علي بن أبي طالب عليه السلام مخاطباً ابن عمه الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم : ( يا رسول الله انك لتحب عقيلاً )

فأجابه النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( اي والله . إني لأحبه حبين ، حباً له وحباً لحب أبي طالب له . وان ولده لمقتول في محبة ولدك )

ثم بكى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وقال : ( لله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي )
*
مسلم بن عقيل .. هو ذاك الذي قال عنه النبي أنه يقتل في محبة ابن عمه الحسين بن علي عليهما السلام . وكان مسلم في أوائل عمره محباً للحسين وأخيه الامام الحسن عليهما السلام ، وعندما شب عوده توارث من آل أبي طالب الشجاعة والمروءة . فشارك في المعارك والفتوحات ، وحضر مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام معركة صفين ، ووضعه الامام في ميمنة الجيش مع الحسن والحسين عليهما السلام.

وحين جرى ما جرى بعد موت معاوية ومطالبة يزيد بالخلافة ، تواردت كتب أهل الكوفة على الامام الحسين عليه السلام يطلبونه المجيء إليهم ، ويعهدون إليه بالبيعة والوفاء . فقرر أبا عبدالله عليه السلام أن يرسل ابن عمه مسلم بن عقيل إليهم . وكتب إليهم كتاباً جاء فيه : ( وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم ، فإن كتب إليّ أنه قد أجمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت عليّ به رسلكم وقرأت في كتبكم ، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله .. ) .
*
وخرج مسلم متوجهاً الى الكوفة في أواخر شهر رمضان ، وحين وصل الى الكوفة نزل في دار المختار بن أبي عبيدة ، وحضر الناس إليه فقرأ عليهم رسالة الحسين إليهم ثم أخذوا يبايعونه . وتقول الروايات أن الذين بايعوا مسلما قدّر عددهم نحو ثمانية عشر ألفاً . وكتب مسلم كتاباً الى الحسين عليه السلام بعد أن أمضى في الكوفة خمسة وثلاثين يوماً يخبره بما حصل : ( أما بعد فإن الرائد لا يكذب أهله ، وقد بايعني من أهل الكوفى ثمانية عشر ألفاً فعجّل الاقبال حين يأتيك كتابي ، فإن الناس كلهم معك ، ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى ، والسلام )
ووصل خبر الناس الى بني أمية ، وفي نفس الوقت عيّن يزيد عبيد الله بن زياد والياً على الكوفة وأمره ان يقبض على مسلم بن عقيل ويقتله ، فدخل بن زياد الكوفة متلثماً متشبهاً بلباسه لباس الحسين عليه السلام ، وقد ظن الناس أنه الحسين فاجتمعوا حوله وأخذوا يرحبون به ، وحين قارب قصر الامارة ظن من كان بالداخل أنه الحسين أيضاً فسدوا عنه الأبواب ، فصاح بن زياد فعرفوه وفتحوا له الأبواب وعرفه الناس أيضاً فأدبروا عنه . وانتشر بين الناس رجال بني أمية ، تخوفهم وترهبهم ، فتخاذلوا عن مسلم بن عقيل وانفضوا من حوله ، وبدأت حملة القبض عليه .
*
[ يـعـزُّ عـلـيّ بـأن أراك قـلـيـل الـنَّـصـيـر ، كـثـيـر الـخُـذول ]

وفكر مسلم بن عقيل بالانتقال من دار المختار الثقفي الى دار أخرى ، وهي دار هانيء بن عروة ، أحد كبار شيوخ الكوفة وزعمائها وأشرافها ، وأيضاً كان من فرسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب . وكان عمره قد تجاوز التسعين عاماً .

وفي يوم وحينما كان خارجاً من المسجد ، وقد أصبح وحيداً فريداً غريباً في دار الغربة ، مشى حتى وصل الى دار امرأة يقال لها طوعة فطلب منها ماءً فأحضرته له ، وظل واقفاً على باب دارها ، فسألته عن أمره ، فأجابها : ( أمة الله أنا مسلم بن عقيل ) . فرحبت به طوعة واستضافته في بيتها . وكان عندها ولد شك في حركات والدته في تلك الليلة وارتاب من أمرها ، وأخذ يلح عليها أن تخبره بالأمر ، ولم ترضى الا عندما أقسم أن يخفي الامر أيضا ، فأخبرته فذهب الى قصر الامارة وأفشى سر والدته ، فذهبت جماعة الى بيت طوعة ليقبضوا على مسلم .

وحينما سمع مسلم وقع حوافر الخيل خرج من الدار متقلداً سيفه ، واخذت طوعة تتأسف منه وتعتذر وهي محرجة ، فقال لها : ( إني رأيت الليلة أبي وعمي علي بن ابي طالب واخوتي يقولون لي انك صائر الينا الليلة )

وخرج اليهم مسلم وصار يقاتلهم وحده ، فأثخن بالجراح فضعف جسده ، وقبضوا عليه فصار يبكي ، فسألوه عن بكائه ، فأجابهم : ( ما لنفسي أبكي ، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إليّ ، أبكي للحسين وآل الحسين )
*
[ بـنـفـسـي أسـيـراً بـأيـدي الـضـلال ِقـادوه لـلـمـوت قـودَ الـذلـول ِ ]
*
واقتيد مسلم الى ابن زياد ، وهو جريح عطشان ، فطلب أن يسقوه ماء فأتوه به ، وكان كلما أراد أن يشرب امتلأ قدح الماء بالدماء التي تنزف من فمه ، فأتوه بقدح آخر فامتلأ دماً وأتوه بثالث فامتلأ دماً أيضاً ، فقال : ( الحمدلله لو كان من الرزق المقسوم لي لشربته ) . ثم أدخل مسلم الى عبيد الله بن زياد ، وكان يعلم أنه مقتول لا محالة فطلب منه أن يوصي بوصيته ، وأوصى رجلاً عليها وقال له أن يدفع عنه ديناً استدانه ، وأن توارى جثته ، وأن يبعثوا الى الحسين عليه السلام من يردّه ويمنعه من القدوم الى الكوفة . وأمر ابن زياد أن يُصعد بمسلم فوق القصر وتضرب عنقه . فاقتادوه وهو يكبر ويستغفر ويصلي على ملائكة الله ورسله ويقول : ( اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذّبونا واذّلونا ) . وقبل أن يضربوا عنقه وجّه وجهه نحو السماء وقال : ( السلام عليك يا أبا عبدالله ) ، ففصلت رأسه عن جسده ، ورموا بجسده من فوق القصر الى الارض والناس ينظرون الى جثته ، ثم أمر بن زياد بقتل هانيء بن عروة ومجموعة ممن كانوا من المؤيدين لمسلم بن عقيل ، فضربت عنق هانيء بن عروة وألقيت جثته أيضاً . وجرّت جثة مسلم وهانيء بحبلين في الأسواق .
*
[ وســحـبـك فـي الـسـوق بـيـن الأنـام أورث جـسـمـي داء الـنـحـول ]
*
وكانت شهادة مسلم بن عقيل يوم الثامن من ذي الحجة سنه 60 للهجرة

ووصل خبر قتل مسلم وهانيء بن عروة الى الحسين عليه السلام ، فقام خطيباً في الناس الذين اتبعوه ، وكان عددهم أكثر من ألفين ، ثم أخبرهم بمقتل مسلم بن عقيل ، فتفرق الناس عنه ولم يبق الا القليل .
*
[ فـتـيـةً أعـجـوبـة الـدهـر وفـاءً وامـتـثـال ]
*
وممن استشهد مع الحسين عليه السلام في كربلاء حبيب بن مظاهر ، وكان شيخاً كبير السن ، وكان ممن رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وصاحب الامام علي عليه السلام وشاركه في كل حروبه ، وكان صدره منبعا للعلوم التي علمها له وصي رسول الله صلى الله عليه آله وسلم . وكان لحبيب مقام كبير عند الرسول وأهل بيته عليهم السلام ، فقد كتب له الامام الحسين عليه السلام يستحثه على المجيء معه : ( أما بعد ، يا حبيب فانت تعلم قرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنت أعرف بنا من غيرك ، وأنت ذو شيمة وغيرة فلا تبخل علينا بنفسك يجازيك جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة ) .
ووصل كتاب الحسين هذا الى حبيب بن مظاهر في الكوفة ، فجمع نفسه وتهيأ للسفر وأخذ يودع عياله وزوجته ، وانطلق على فرسه حتى لحق الحسين عليه السلام في كربلاء .
وكان حبيب بن مظاهر في ميمنة جيش الحسين عليه السلام في يوم العاشر من المحرم ، ولما نزل الى ساحة الوغى ، قاتل الفرسان ببسالة وقتل على كبر سنه عدد كبير ، وأتته ضربة بالسيف وطعنة أخرى فسقط حبيب الى الارض وحاول ان يقوم لولا أن ضربه آخر على رأسه بالسيف فسقط على وجهه ، واحتز رأسه من قفاه . وعندما بصر به الامام الحسين عليه السلام بكى على مقتله وقال : ( عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي )
*
[ كـلـمـا شـارف بـدر مـنـهـم طـور الـمـحـاق
صـاح مـولاي حـسـيـن هـاك أنـفـاسـي تـراق ]
*
كان شخص عثماني ، أي من المطالبين بدم عثمان ، مع هذا انضم للحسين عليه السلام في كربلاء واستشهد معه .
صادف أن رافقت قافلة زهير بن القين قافلة الامام الحسين عليه السلام ، فكان طوال الطريق يتجنبه ، حتى نزل معه في نفس المنزل ، وضرب خيامه بعيدة عن خيام الحسين عليه السلام ، وبينما هم جلوس على الغداء إذ أقبل رسول الحسين عليه السلام يطلب زهير بن القين ، ودارت عيون من كان معه الى زهير ، فاحتار وتردد ، فنادته زوجته من وراء الستار : ( زهير أيبعث اليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه ؟! ) . فقام زهير وذهب الى ملاقاة الامام الحسين عليه السلام ، ومكث عنده فترة ثم عاد الى خيامه ، وأمر من معه أن يضموا رحله الى رحل الحسين عليه السلام ، ورد على علامات الدهشة التي علت وجوههم قائلا: ( ذكرني الحسين بحديث : غزونا غزوة ، ففتح الله علينا وجمعنا الغنائم ، فقال لنا سلمان : أفرحتم بما فتح الله عليكم واصبتم من المغانم؟ فقلنا : نعم ، فقال : كونوا أشد فرحاً اذا أدركتم سيد شباب أهل الجنة وقاتلتم معه ) .
*
وفي ليلة العاشر من محرم خطب الحسين في أصحابه قائلا : ( هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، فإن القوم لا يريدون غيري )
فقام له زهير بن القين وقال : ( والله لوددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت ، حتى أقتل كذا ألف قتله ، وإن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك )
وفي يوم العاشر خرج الى الجيش زهير ووعظهم وأنذرهم من غضب الله سبحانه وبجزاء من حارب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن الشفاعة لا تنال قوماً هرقوا دماء ذرية النبي ، وبالغ في النصيحة لهم ولم يسمعوه .
وتقدم زهير للقتال بعدما ودع الحسين عليه السلام ، وكان فارساً شجاعاً ، وحين قتل وقف عليه الامام الحسين عليه السلام وقال : ( لا يبعدنك الله يا زهير ولعن الله قاتليك ) .
*
[ إنـي أنـا الـحـر ومـأوى الـضـيـف ، أضـرب فـي أعـنـاقـكـم بـالـســيـف
عـن خـيـر مـن حـل بـأرض الـخـيـف ]
*
كان الحر بن يزيد الرياحي قائداً للجيش المخالف للحسين عليه السلام ، وهو من رافقه في الطريق وساقه الى أرض كربلاء . وضايق الحر الامام الحسين عليه السلام وهم في الطريق فصاح به الحسين : ( ثكلتك أمك ! )
فأطرق الحر رأسه قليلا ثم رفعها وخاطب الحسين عليه السلام : ( اعلم انه لا يذكر أحد أمي الا ذكرت أمه ، ولكن ما أفعل وأمك فاطمة ! )
عندها سمع الحر صوتاً يقول : ( يا حر أبشر بالجنة )
والتفت فلم يرى مصدرا لهذا الصوت ، فأصابته الدهشه ، فكيف يبشر بالجنة وهو خارج بجيش كبير على الحسين بن فاطمة !
*
وفي كربلاء ولما علم الحر أن القوم ينوون مقاتلة الحسين عليه السلام ذهب الى عمر بن سعد وقال له : ( أمقاتل أنت هذا الرجل ؟ )
فقال بن سعد : ( اي والله قتالا أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي ! )
فركب الحر فرسه ووقف في وسط الميدان ، محتاراً ، وكان الى جانبه رجل قال له : ( لو قيل لي من أشجع أهل الكوفه رجلا ما عدوتك ، فما الذي أراه منك ! )
فأجابه الحر : ( إني أخيّر نفسي بين الجنة والنار ، ووالله لا أختار على الجنة شيئا ولو قطّعت وحُرّقت )
*
فضرب فرسه ولحق بمعسكر الحسين عليه السلام وهو يدعو الله ويتوب اليه قائلا : ( اللهم اليك تبت فتب علي فقد ارعبت قلوب اوليائك واولاد بنت نبيك ) . فلما دنى من الحسين عليه السلام قال له : ( جعلت فداك ، انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق ، وجعجعت بك الى هذا المكان ، وقد جئتك تائبا مما صنعت ، فهل ترى لي من توبة؟ )
فأجابه الحسين : ( نعم يتوب الله عليك ) ، فسأله عن اسمه وأجابه . وكان الحر من طليعة الذين تقدموا بين يدي أبي عبدالله عليه السلام ، واستمر يقاتل ويميت الاعداء حتى حاذوه من كل جانب ، فلما صرع أتاه الحسين عليه السلام ووقف عليه وقال : ( أنت حر كما سمتك أمك ، وأنت حر في الدنيا وسعيد في الآخرة )
*
[ أحـمـي الـخـيـار مـن بـنـي مـحـمـد ، أذب عـنــهـم بـالـلـسـان والـيـد ]
*
وحتى العبيد لم تترك الحسين عليه السلام ونصرته ، وأمثالهم كان جون مولى أبي ذر الغفاري ، وكان موالياً لأهل البيت عليهم السلام ، فمن بعد أبي ذر رافق الامام الحسن ومن بعده الحسين عليهما السلام . وحينما وقف جون بين يدي الحسين عليه السلام يطلب منه الاذن للقتال ، قال له الحسين : ( أنت في حِلٍّ مني فإنما اتبعتنا طلبا للعافية فلا تبتل في طريقنا ) . فوقع جون على رجلي المولى أبي عبدلله عليه السلام يقبلهما ويقول : ( يابن رسول الله أنا في الرخاء ألحس قصاعكم ، وفي الشدة أخذلكم ! والله إن ريحي لنتن وإن حسبي للئيم ولوني لاسود ، فتنفس عليّ بالجنة فيطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض لوني ، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الاسود مع دمائكم )
فخرج للقتال ، ولما قتل أتى الحسين الى جسده ودعى له : ( اللهم بيّض وجهه ، وطيّب ريحه ، واحشره مع الأبرار ، وعرِّف بينه وبين محمد وآل محمد )
*
[ يـا لـيـتـنـا كـنـا مـعـكـم سـادتـي فـنـفـوز فـوزاً عـظـيـمـاً ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق