الأحد، يوليو 25، 2010

مولد النصف من شعبان~``




عند بلوغ القمر ليلة كماله وتمامه .. يتحول الليل من سواد حالك ، الى نور هادئ ، يحمل في طياته الهدوء والبشائر
.
.
أراد قيصر ملك الروم أن يزوج حفيدته من ابن أخيه ، فجمع القساوسة والرهبان ومن نسل الحواريين ، وأصحاب الشرف والشخصيات البارزة ، وجمع من الأمراء وقادة العساكر وملوك العشائر ، فكان الجمع غفيراً ، فلما اعتلى ابن أخيه ما اعتلى ، تساقطت الصلبان من الأعالي فلصقت بالارض ، وتقوّضت الأعمدة فانهارت الى القرار ، وخرّ الصاعد من العرش مغشياً عليه. تغيرت ألوان الوجوه ، وارتعدت الأطراف ، وتنبأوا بأن ما حدث ، إن دل على شيء فهو يدل على زوال الدين المسيحي ، وأن من جاءوا من أجلها منحوسة !
وغضب الجد غضباً شديداً ، وأعاد الكرّة ، فحدث مثلما حدث في المرة الاولى ، فتفرق الناس ..
رقدت هذه الصبية ، ورأت في منامها ، كأن المسيح ووصيّه شمعون -الذي يرجع نسب أمها إليه- وجمع من الحواريين قد اجتمعوا في ذلك القصر ، ونصبوا منبراً يعانق السماء ، ودخل آخر المرسلين ، وخاتم النبيين ، محمد صلى الله عليه وآله وسلم مع جمع من فتيته وبنيه ، وتقدم الى روح الله وضمّه إليه وأخبره بنيته بخطب يد حفيدة شمعون مليكة الى ابنه ، وأشار بيده الكريمة الى الحسن بن علي العسكري عليهما السلام.
فنظر المسيح الى وصيّه شمعون وقال: ( قد أتاك الشرف ، فصل رحمك برحم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ). وخطبها الرسول الى الامام الحسن العسكري وزوجها ، وشهد على زواجهما المسيح عليه السلام وأبناء محمد صلى الله عليه وآله وسلم والحواريون.
فلما استيقظت الصبية ، لم تقصص رؤياها على أحد خيفة منهم ومن أن يؤذوها ، وكتمت هذه الرؤيا في صدرها ، وصب في قلبها حب الحسن العسكري ، فباتت تنتظره أيامها ولياليها. وقد هزل جسدها من قلة غذائها فخاف عليها جدها ، ولم يبقى طبيب في مدائن الروم إلا أحضره لها ، لكن دون جدوى ، فأخبرته الصبية أن دواءها هو أن يكشف العذاب عن أسارى المسلمين في سجنه ، ويفك أسرهم وأغلالهم ، ويتصدق عليهم ، ففعل ، وحاولت أن تظهر الصحة والعافية في جسدها لقاء ذلك ، وما كان ذلك دواءها فعلاً.
.
.
وفي ليلة من لياليها ، رأت رؤيا أخرى ، كأن الزهراء قد زارتها مع مريم ابنة عمران وألف وصيفة من وصائف الجنة ، فعرفتها السيدة مريم بشخصية سيدة النساء ، وأنها أم زوجها الحسن العسكري ، فتعلقت بها تبكي وتشكو إليها بعدها عن زوجها وامتناعه عن زيارتها. وكان عليها ، كما أخبرتها الزهراء ، أن تتحول من الدين المسيحي ، الى الدين الاسلامي ، من الشرك ، الى نور الايمان واليقين ، فالذي يمنع الحسن العسكري من زيارتها هو بقائها على ملتها. فتشهدت الصبية ونطقت الشهادتين ، فسعدت بذلك البتول وضمتها الى صدرها ، وطيبت نفسها وبشرتها بزيارة زوجها إليها.
وعندما زارها الحسن العسكري ، أنبأها بأن جدها سيسيِّر جيشاً الى قتال المسلمين في ذلك اليوم ، وعليها أن تتنكر في زي الخدم وتلحق بهم مع جمع من الوصائف من ذلك الطريق. وانتصر المسلمون في تلك المعركة ووقعت الأميرة في الأسر.
.
.
في مكان آخر من الأرض ، تحديداً في سامراء ، أرسل الامام علي الهادي عليه السلام مولاه بشر الى بغداد لابتياع أمَة ، وقد كتب كتاباً بلغة رومية ، ودفع إليه بصرة صفراء فيها نقوداً ، ووصف إليه الجارية التي يريد ابتياعها:( لابسة حريرتين صفيقتين ، تمتنع من السفور ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها ، ويشغل نظره بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرقيق ). فذهب بشر الى حيث قال الامام ورأى تلك المواصفات على جارية من الجواري وصار نفس الفعل الذي أخبره الامام بوقوعه. فقد ضربها النخاس وصرخت بلسانها الرومي قائلة :( واهتك ستراه ). فأعجب بعفتها رجل من المبتاعين ، ولكنها رفضته. فقام عند ذلك بشر ورجا النخاس بأن يعطي الكتاب الذي كتبه الامام الهادي عليه السلام الى الجارية لتقرأه وتعرف أخلاق صاحبه ، فإن مالت إليه ورضيت يشتريها.
وبكت ابنة ملك الروم حينما قرأت كتاب أبا الحسن إليها ، وقبلت ، وعاد بها بشر الى سامراء ، حيث بيت النجوم الزاهرة ، والأنوار الهادية ، وخاطبها الامام الهادي عند دخولها قائلا : ( كيف أراك الله عز الاسلام وذل النصرانية وشرف أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ )
فأجابت : ( كيف أصف لك -يابن رسول الله- ما أنت أعلم به مني؟ )
فقال : ( فإني أريد أن أكرمكِ، فأيما أحب إليك: عشرة آلاف درهم؟ أم بشرى لك بشرف الأبد؟ )
قالت : ( بل البشرى )
فقال عليه السلام : ( فأبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً ، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا ).
.
.
وكان كما بشرها الهادي النقي. ففي ليلة النصف من شهر شعبان لعام 255 للهجرة ، بعث أبا محمد العسكري عليه السلام الى عمته حكيمة لتجعل افطارها عنده ، وقد أخبرها بأن الله تعالى سيظهر في هذه الليلة حجته في أرضه والذي يحيي به الأرض بعد موتها.
واستفسرت السيدة حكيمة عن أم هذا المولود ، فأخبرها بأنها نرجس ، ولم ترى السيدة حكيمة عليها آثار الحمل ، ولكن الامام أكد لها الخبر. وحين طلع الفجر الأول ، تداخل الشك قلب السيدة حكيمة من وعد ابن اخيها ، فناداها من حجرته : ( لا تعجلي يا عمة فإن الأمر قد قرب ) ، فاستحت السيدة من شكها بابن أخيها الامام على الخلق أجمعين. وحانت ساعة الولادة ، ورأت السيدة حكيمة من المعاجز الكثير ، وقد غطى حجاب بينها وبين السيدة نرجس ، فخافت وأسرعت الى حجرة الامام لكنه طمأنها ، ثم عادت لتجد السيدة نرجس في مكانها وبيدها مولودها الكريم. وقد كان مكتوباً في ذراعه الأيمن: { جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } ، وسجد لله وقال في سجوده : ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن جدي محمداً رسول الله ، وأن أبي أمير المؤمنين ولي الله ) وأحصى الائمة ، إماماً إماماً ثم قال: ( اللهم أنجز لي ما وعدتني ، وأتمم لي أمري ، وثبت وطأتي ، واملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً )
.
وتلى بعض الآيات والأدعية ، الشيء الذي يتعجب منه الكبير والصغير ، ولكن ليس هناك عجب حينما يتطرق الأمر لأهل البيت عليهم السلام ، فالله تبارك وتعالى ينطقهم بالحكمة صغاراً. فتلقاه الامام العسكري عليه السلام وضمه إليه ، فنطق خليفة الأتقياء فتشهد الشهادتين وصلى على خير الورى محمد والأئمة الطاهرين إلى أبيه ، واستعاذ من الشيطان الرجيم وتلى الآية : {ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ}
.
.
وقد سمى الامام مولوده محمد ، فهو سمي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما أخبر بذلك النبي قبل سنين طويلة.
فعنه صلى الله عليه وآله وسلم : ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد ، لطول الله ذلك اليوم ، حتى يبعث الله رجلاً مني ، يواطئ اسمه اسمي ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً )
.
وعاش الامام الثاني عشر في كنف أبيه خمسة أعوام ، وتسلم مقاليد الامامه منذ صغره. وكانت له غيبتان ، الأولى منذ صغره وتسلمه مقاليد الامامة ومواريث الأنبياء حتى وفاة آخر نائب له. والغيبة الكبرى ابتدأت مع وفاة نائبه الأخير ، في عام 329 للهجرة ، وهي مستمرة منذ ذلك اليوم وحتى يأذن الله تعالى بظهوره المبارك.
*
*
متى ترانا ونراك وقد نشرت لواء النصر ..

الأحد، يوليو 18، 2010

The Twilight Saga



Quote:
"The more you loved someone, the less sense anything made"
*
لا أقرأ قصصاً رومانسية كثيراً ، إلا لعدد محدود من الكتاب لأن قصصهم ليست مكررة ومستهلكة ..
فقصص الحب في الغالب متشابهة ، من حيث البداية والنهاية وما يحدث خلالها يكون معروف لجميع الناس. في البداية لم تجذبني رواية الشفق Twilight والتي تحولت الى أفلام في الآونة الأخيرة. شاهدت الجزئين الأول والثاني عندما عرضا في دور السينما فشدتني القصة الى قراءة الكتاب نفسه ، والحق يقال أن الكتاب أروع بكثير من الفيلم ، هذا من وجهة نظري.
لا أميل الى مصاصين الدماء بأي شكل من الأشكال ، ولا تستهويني القصص التي تكتب عنهم ، لكن دائماً ما يصفونهم بأنهم بشر سيئين ، يقتلون الأبرياء لامتصاص دمائهم ، فهم يتغذون على هذه الدماء بل ويتلذذون بها. وقصة الشفق مختلفة عن هذه الأساطير ، فقد أحبت الكاتبة ستيفاني ماير Stephanie Meyer أن تبرزهم على نحو مغاير.
.
.
القصة عبارة عن مذكرات تكتبها بطلة القصة "بيلا" ، فتاة عادية لأم وأبوين مطلقين ، انتقلت للعيش مع أبيها حين قررت أمها الزواج ، تكون الأحداث عادية وطبيعيه جداً في البداية ، حيث تلتحق بالمدرسة الخاصة بالمنطقة التي انتقلت إليها وتبدأ بالتعرف على زملاء جدد ، ثم تلتقي بمجموعة دائماً ما تجلس لوحدها وحديثها يقتصر مع أفرادها فقط ، وعندما تستفسر عن سر هذه المجموعة المنعزلة يقال لها بأنهم هكذا لا يختلطون بأحد ، ويقودها فضولها الى محاولة الحديث مع أحد أفرادها ، حيث أنه هو الوحيد الذي ليس معه رفيقة ، فالمجموعة عبارة عن خمسة أفراد ، بنتان وثلاث فتيان ، وتتقرب من الفتى الوحيد ، وشيئاً فشيئاً يبادلها الحديث ويصبحون أصدقاء ثم تتحول الصداقة الى حب. كل هذا في أحداث طويلة يكتنفها الغموض يطول شرحها هنا.
.
لا تعرف "بيلا" أن الذي أحبته هو باختصار ليس من البشر ، بل مصاص دماء ، ولكنهم أناس جيدون ، حاولوا أن يغيروا من أسلوب حياتهم الذي يعتمد على امتصاص دماء البشر واكتفوا بالتغذية من دماء الحيوانات ، على عكس غالبية مصاصين الدماء اللذين لا يتلذذون إلا بامتصاص دماء البشر.
وحتى بعد معرفتها بهذه الحقيقة ، وحقيقة كل أفراد أسرته ، ترضى بهذا الواقع وتتقبله وتحاول التكيف معه ، مع علمها بخطورة بقائها الى جانبه ، فهم -أي مصاصين الدماء- يشتمون رائحة دماء البشر وتثير في داخلهم شهية لامتصاصها ، ولهذا فإنهم يتجنبون الاحتكاك بهم. وبعد أن تتعمق علاقتهم ويصبح من المستحيل الابتعاد عنه ، تفكر في أن تصبح مثله ، مصاصة دماء ، ولكن لهذا التحول مخاطر ، فإذا كانت تريد أن تتحول الى مصاصة دماء ، يجب أن يعضها مصاص دماء بنفسه حتى يسري سمّه داخل جسدها ، وتستمر عملية التحول ثلاثة أيام كاملة ، يتحول جسدها من جسد كائن بشري طري الملمس ، الى جسد بارد صلب لا ينفذ خلاله الرصاص ، وتتحول من الحياة الفانية الى الحياة الخالدة ، فحبيبها وأبناء جنسه لا يموتون. ويبدأ الصراع والاختيار بين حياتها الطبيعية الانسانية ، وحياتها كمصاصة دماء الى الأبد مع حبيبها.
.
.
أعجبتني الرواية بحق وصرت من عشاقها ، فهي تحمل الحب بأسمى معانيه ، فتجد بين سطورها الاخلاص والوفاء ، والتضحية بكل شي في سبيل الاحتفاظ بالحب. ربما لا يرى البعض ما أرى ، فلكل انسان وجهة نظر مختلفة ، وأنا لم أرها مجرد قصة حب بين مراهقين ، بل ذهبت الى أعمق من ذلك ، ذهبت الى جذور الحب وأساسه ، وفهمت أن الحب لا مجرد كلمة تقال وتذهب مع الريح ، بل الواجب أن نحترم هذا الحب فهو ميثاق غليظ يعطيه للطرف الاخر ويجب ان يحترم شروطه وقوانينه ، وأن يتحمل ما يأتي من تبعات لكلمته ، فمشاعر الانسان هي أغلى ما يملك ولا يحق لأحد التلاعب بها ، فإذا ما عرف الانسان أنه لن يتحمل ذلك العهد فعليه أن يبتعد كل البعد عن حروف الحب!
.
الرواية مؤلفة من 4 أجزاء:
.
1. الشفق Twilight
2. قمر جديد New Moon
3. الخسوف Eclipse
4. بزوغ الفجر Breaking Dawn
...
دمتم بود وحب ..

الجمعة، يوليو 16، 2010

.: دنيــا الفــراق :.



I did not mean to convoy weeping
but today,
it is the separation which made the hardiest men cry
.
.
إن الفراق كلمة أجمع على نبذها جميع البشر ، لما لها من معنىً قاسٍ ومؤلم ، فلا تتحمل النفس البشرية المحبة البعد عن أحبائها ، وغالباً مايكون الفراق مصحوباً بالأسى والألم ، سواء أكانت الظروف هي التي تجبر العاشقين على الافتراق أو القدر المحتم على جميع الخلائق وهو الموت . في كلا الحالتين يوجد دموع ، يوجد شجون ، يوجد حرمان ، يوجد اشتياق ، توجد آهات لا تتوقف ..
بينما الحب هو أجمل شعور في الحياة ، الفراق هو أبشع شعور في الحياة ، إنهما صديقان متناقضان تماماً ، فالحب يدعو للحياة والفراق يدعو للممات. ويروي التاريخ الكثير من قصص الحب ، وكفاح الأحبة ونزولهم في ساحة القتال مسلحين بحبهم للدفاع عنه ، وكان مصير كل تلك الملاحم ، ملاحم العشق والولاء ، هو الفراق . وبالرغم من دراية الناس بهذه النهاية الأليمة ، لا يزال الحب قائما منذ هبوط أول آدمي الى الأرض ، وسيكون موجوداً الى أن تسكن آخر نفس بشرية ..
يقال أن الليل هو نهار العاشقين ، فترى العشاق قد دأبوا على السهر ، أرهقت جفونهم ، غرقى مدامعهم ، تملأ زفراتهم الأفق ، يأنسون بالليل ووحشته ، فالظلام غطاء وستار يستر دموعهم وحنينهم ، يتضرعون الى خالقهم أن يجمعهم مع أحبائهم ولو للحظه واحدة ، ليشفى غليل الفؤاد . وما يبعث على الحزن هو أن للانسان ذاكرة تمحى ذكريات وتبقى أخرى ، فالتي تبقى لا ينساها المرء ولو حاول ، فهي منحوتة في ذاكرته ، فكيف يسعد الانسان ويفرح وصدى ذكرياته المؤلمة تغزو مخيلته بين الحين والآخر؟ كيف ينسى جرح الفراق !
.
وهل يبقى عشقي ماضي والمحبب *** دنى ميتاً من مالك الموت والأمل
.
هنا .. فراق من نوع آخر ، ربما أشد لوعة وأشد مرارة وأشد حسرة ، فعندما يكون الحبيب موجوداً في دار الدنيا ، يكون هناك بريق أمل للقائه ، ولكن أصعب ما في الأمر عندما يكون الحبيب ليس على سطح الارض ، بل تحتها ووسط ثراها ..
حين يكون الفراق الفراق هو مصدر كل الألم ، حين يكون الفراق محراباً يقضي فيه العاشق لياليه ، حين يكون الفراق بطاقة دعوة للمرض والهم ، حين يكون الفراق أقسى ما في الوجود ، حين يكون الفراق أتعس قدر يقف بوجه العاشق ولا مفر منه ، حين يكون الفراق سجّان يقيّد أسيره بقيود من نار ، حين لا يملك العاشق إلا قبر حبيبه أمامه وأنهار من دموع يذرفها على رحيله ..
وقبل أن يحمل الجسد على الأكتاف ، ذلك الجسد الذي طالما شعر العاشق بالأمان الى جانبه ، يقترب منه يقدّم خطوة ويؤخر أخرى ، يتساءل هل هذا الجسد الممدد أمامه هو نفس الشخص الذي أحبه وعشقه؟ نفس قسمات الوجه ونفس اليد ونفس الجسد لكن بدون روح ، كم يكون لذلك الجسد الذي غادرته الروح رهبة غير عادية !
في تلك اللحظة ، وفي ذلك اللقاء الأخير ، ما موقف العاشق؟ وكيف تقدر الكلمات على أن تصف مشاعره؟ وكيف يكون التوديع؟ لو يجتمع جميع الشعراء في العالم والكتّاب ليصفوا مشاعره في جميع لغات العالم لما استطاعوا ، فهذا الموقف أكبر من أن تصفه الكلمات . هي مشاعر لا تترجم ، فهل تكفي الدموع لتعبر عنه؟ إن الدموع ، وهي رمز عظيم ، لها قدرة عجيبة في التعبير عن مكنونات البشر ، سواء في الفرح أو الحزن ، ذلك الماء المالح الذي ينحدر من المقلتين يستطيع أن يحل محل ألف كلمة في التعبير ..
يعتصر القلب كمداً حين يواري الثرى جسد محبوبه ، فذلك منزله الأبدي الذي لا خروج منه ، وحين ينصرف الآخرون ، يبقى العاشق حائراً ، فهل ينصرف أم يبقى؟ واذا قرر البقاء فإلى متى؟ فإن هناك دنيا تنتظره ، وعمراً يعيشه ، ولكن من لهذا الميت؟ الذي لو كشفنا عنه لوجدنا الحزن يكسو وجهه لفراق دنياً يعيش بها أحبابه . إن الفراق طريق مملوء بالأشواك والأوجاع لا يذوق مرارته إلا المحب المخلص المتيم ، فغياب الحبيب سهام تخترق أضلاعه وتهدم أحلامه الجميلة ، فينصب عزاءً عنوانه لحن الأنين . ويبكي الغرام ذلك المحب الوفي ويرثيه ، الذي يتجرع الغصص ويكتم في داخله صرخاته الحارقة ، ويقطع للحب وعداً وعهداً يوقعه بنزيف دمه بأن يعانق حبه وهواه مدى الحياة . فما جدوى الحب إن عشناه ونسيناه؟ وهل يكون الحب موجوداً فقط حين تكون قلوب العاشقين تنبض؟ أم تبقى حتى بعد سكون دقات قلب أحدهما؟
سؤال يستفهم الحب ..
.
.
لا أراكم الله مكروهاً بعزيز ولا فرقكم عنه