السبت، يناير 22، 2011

عـنـد أنـيـس الـنـفـــــــوس «ღ»


*
[ الـلـهـم صـل عـلـى عـلـي بـن مـوسـى الـرضـا الـمـرتـضـى ]
*
هو الامام علي بن موسى الملقب بالرضا ، ولد بالمدينة المنورة ، ودفن في أرض طوس في بلاد فارس . فقد أقسمت الدنيا أن تشتت أبناء رسول الله وتقصيهم من ديار جدهم . استدعاه الخليفة العباسي في ذلك الوقت وهو المأمون الى أرض خراسان ، فاستجاب الامام مكرهاً .
*
وهو ثامن الأئمة الطاهرين ، أبوه الامام موسى بن جعفر الكاظم سلامُ الله عليه ، الذي لم يطق أعداؤه صبراً على مدحه . فذاك قاتله هارون العبّاسيّ يشير إليه ويقول لابنه المأمون : ( هذا إمام الناس ، وحجّة الله على خلْقه ، وخليفته على عباده ، موسى بن جعفر إمام حق . والله يا بُنيّ ، إنّه لأحقّ بمقام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم منّي ومن الخلق جميعاً ، واللهِ لو نازعتَني هذا الأمر لأخذتُ الذي فيه عيناك ، فإنّ المُلك عقيم )
وقال له مرّةً أخرى : ( يا بُنيّ! هذا وارث علم النبيّين ، هذا موسى بن جعفر ، إن أردت العلم الصحيح فعند هذا )
*
لم يكن أحد يشك في فضل الائمة وعلمهم وأحقيتهم بالخلافة والامامة ، ولكن حب الدنيا وحب السلطة قد تملك قلوبهم فأعمى بصيرتهم .
وهذه أشعة من نور من حياة وارث علم الأنبياء والأوصياء الامام الرضا ، السلطان بعيد المدى .
*
قال رجاء بن أبي الضحّاك : ( بعثني المأمون في أشخاص علي بن موسى الرضا عليهما السلام من المدينة ، فو الله ما رأيت رجلاً كان أتقى لله تعالى منه ، ولا أكثر ذكراً لله في جميع أوقاته منه ، ولا أشدّ خوفاً لله عزّ وجلّ منه ، وكان يقنت في وتره ، ويقول :
*
( اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد ، اللّهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولّنا فيمن تولّيت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا شرّ ما قضيت ، فإنّك تقضي ولا يقضى عليك ، إنّه ﻻ يذلّ من واليت ، ولا يعزّ من عاديت ، تباركت ربّنا وتعاليت )
*
وكان عليه السلام يقول في سجوده : ( لك الحمد إن أطعتك ، ولا حجّة لي إن عصيتك ، ولا صنع لي ولا لغيري في إحسانك ، ولا عذر لي إن أسأت ، ما أصابني من حسنة فمنك ، يا كريم اغفر لمن في مشارق الأرض ومغاربها ، من المؤمنين والمؤمنات )
*
ومن أدعيته عليه السلام أنه كان يقول : ( الهي بدت قدرتك ، ولم تبد هيئة لك ، فجهلوك وقدّروك ، والتقدير على غير ما به شبّهوك ، فأنا بريء يا الهي من الذين بالتشبيه طلبوك ، ليس كمثلك شيء ولن يدركوك ، ظاهر ما بهم من نعمتك ، دلّهم عليك لو عرفوك ، وفي خلقك يا الهي مندوحة إن يتناولوك ، بل شبّهوك بخلقك ، فمن ثمّ لم يعرفوك ، واتخذوا بعض آياتك ربّاً فبذلك وصفوك ، فتعاليت يا الهي وتقدّست عمّا به المشبهون نعتوك . يا سامع كل صوت ، ويا سابق كل فوت ، يا محيي العظام وهي رميم ، ومنشئها بعد الموت ، صل على محمّد وآل محمّد ، واجعل لي من كل هم فرجاً ومخرجاً ، وجميع المؤمنين إنّك على كل شيءٍ قدير )
*
ولما قدم الامام الرضا عليه السلام الى خراسان ، ذهب الى الخليفة المأمون ودار بينهما هذا الحوار :
*
قال المأمون للرضا عليه السلام : ( يابن رسول الله ، قد عرفت فضلك وعلمك وزهدك وورعك وعبادتك ، وأراك أحقّ بالخلافة منّي )
*
فقال عليه السلام : ( بالعبودية لله عزّ وجلّ أفتخر ، وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شرّ الدنيا ، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم ، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله عزّ وجلّ )
*
فقال له المأمون : ( إنّي قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة وأجعلها لك وأبايعك )
فقال له الرضا : ( إن كانت الخلافة لك وجعلها الله لك ، فلا يجوز أن تخلع لباساً ألبسك الله وتجعله لغيرك ، وإن كانت الخلافة ليست لك ، فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك )
*
فقال له المأمون : ( يابن رسول الله لابدّ لك من قبول هذا الأمر )
فأجاب عليه السلام : ( لست أفعل ذلك طائعاً أبداً)
*
فما زال يجهد به أيّاماً حتّى يئس من قبوله .
فقال له ذات يوم :
( فإن لم تقبل الخلافة ولم تحب مبايعتي لك ، فكن ولي عهدي لتكون لك الخلافة بعدي )
فقال الرضا عليه السلام : ( والله لقد حدّثني أبي عن آبائه ، عن أمير المؤمنين ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنّي أخرج من الدنيا قبلك مقتولاً بالسمّ مظلوماً ، تبكي عليّ ملائكة السماء وملائكة الأرض ، وأُدفن في أرض غربة إلى جنب هارون الرشيد )
*
فبكى المأمون ، ثمّ قال له : ( يابن رسول الله ، ومن الذي يقتلك ، أو يقدر على الإساءة إليك وأنا حيّ؟ )
فقال الرضا عليه السلام : ( أما إنّي لو أشاء أن أقول من الذي يقتلني لقلت )
*
فقال المأمون : ( يابن رسول الله إنّما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك ودفع هذا الأمر عنك ليقول الناس : إنّك زاهد في الدنيا )
فقال ابن الكاظم : ( والله ما كذبت منذ خلقني ربّي عزّ وجلّ ، وما زهدت في الدنيا للدنيا ، وإنّي لأعلم ما تريد )
فسأله المأمون : ( وما أُريد؟ )
فقال : ( لي الأمان على الصدق؟ )
قال : ( لك الأمان )
*
فقال ابن رسول الله : ( تريد بذلك أن يقول الناس : إنّ علي بن موسى لم يزهد في الدنيا ، بل زهدت الدنيا فيه ، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعاً في الخلافة )
*
فغضب المأمون ثم قال : ( إنّك تتلقاني أبداً بما أكرهه ، وقد أمنت سطواتي ، فبالله أقسم لأن قبلت ولاية العهد وإلّا أجبرتك على ذلك ، فإن فعلت وإلّا ضربت عنقك )
*
فقال الرضا : ( قد نهاني الله عزّ وجلّ أن ألقي بيدي إلى التهلكة ، فإن كان الأمر على هذا فافعل ما بدا لك ، وأنا أقبل ذلك ، على أنّي لا أولّي أحداً ، ولا أعزل أحداً ، ولا أنقض رسماً ولا سنّةً ، وأكون في الأمر من بعيد مشيراً )
*
فرضي منه بذلك ، وجعله ولي عهده على كراهة منه عليه السلام لذلك .
*
[ الـسـلام عـلـيـك يـا نـور الله فـي ظـلـمـات الأرض ]
*
دخل الريان بن الصلت على علي بن موسى الرضا عليه السلام ، فقال له : ( يابن رسول الله إنّ الناس يقولون : إنّك قبلت ولاية العهد مع إظهارك الزهد في الدنيا! )
فقال عليه السلام : ( قد علم الله كراهتي لذلك ، فلمّا خيّرت بين قبول ذلك وبين القتل ، اخترت القبول على القتل ، ويحهم أما علموا أنّ يوسف عليه السلام كان نبيّاً رسولاً ، فلمّا دفعته الضرورة إلى تولّي خزائن العزيز قال له : اجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظ عليم ، ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الإشراف على الهلاك ، على أنّي ما دخلت في هذا الأمر إلّا دخول خارج منه ، فإلى الله المشتكى وهو المستعان ) .
*
ولمّا رفض الإمام الرضا عليه السلام طلب المأمون العبّاسي أن يتقلّد خلافة المسلمين ، طلب منه المأمون أن يتولّى ولاية العهد ، فرفض عليه السلام ذلك ، ولكنّ المأمون أصرّ عليه بالقبول ، فقبلها ابن موسى بشروط، جاء منها في كتابه للمأمون : ( إنّي داخل في ولاية العهد على أن لا آمر ولا أنهى ، ولا أفتي ولا أقضي ، ولا أولّي ولا أعزل ، ولا أغيّر شيئاً ممّا هو قائم ، وتعفيني من ذلك كلّه ) فأجابه المأمون إلى ذلك كلّه .
*
وكان عليه السلام قد شرط ذلك لحكمة منه وأمر يعلمه ، فإنما أراد المأمون بتقليد الامام الرضا ولاية العهد أن ينسب أفعاله المشينة إليه ، لكي يحط من قدره في عيون الناس ، وكان الامام يعلم بما ينوي عليه فشرط هذا الشرط ، وأن يكون ولياً للعهد بالاسم فقط ، على أن لا يشترك في أي أمر من أمور الخلافة لا من بعيد ولا من قريب .
*
وكان مثله مثل كل الائمة ، جواد كريم ، حنون على الأيتام والمساكين . وكان يكرم الضيوف ، ويغدق عليهم بنِعَمِه وإحسانه ، وكان يبادر بنفسه لخدمتهم .
وقد استضافه شخص ، وكان الإمام يحدثه في بعض الليل فتغير السراج ، فبادر الضيف لإصلاحه فوثب الإمام عليه السلام وأصلحه بنفسه ، ثم قال لضيفه : ( إنَّا قومٌ لا نستخدم أضيافنا )
*
وأما عتقه للعبيد وتحريرهم من العبودية ، فقد كان من أحَبِّ الأمور إلى الإمام الرضا عليه السلام ، ويقول الرواة : أنه عليه السلام أعتق ألف مملوك .
*
وأما الإحسان إليهم ، فقد كان الإمام عليه السلام كثير البر والإحسان إلى العبيد ، وقد روى عبد الله بن الصلت عن رجل من أهل بلخ قال : ( كنت مع الإمام الرضا عليه السلام في سفره إلى خُرَاسان ، فدعا يوماً بمائدة فجمع عليها مواليه ، من السودان وغيرهم ، فقلت : جعلت فداك ، لو عزلت لهؤلاء مائدة )
فأنكر عليه ذلك وقال عليه السلام له : ( إن الربَّ تبارك وتعالى واحدٌ ، والأمُّ واحدة ، والجزاء بالأعمال )
*
وكان عالماً في كل أمور الدنيا ، صغيرها وكبيرها ، فهو خازن علم الله وسره في الأرض . فعن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي أنه قال : ( ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا عليه السلام ، ولا رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي ، ولقد جمع المأمون في مجالس له ذوات عدد ، علماء الأديان ، وفقهاء الشريعة والمتكلمين ، فغلبهم عن آخرهم ، حتى ما بقي أحد منهم إلا أقر له بالفضل ، وأقر على نفسه بالقصور )
وكثيراً ما كان المأمون يجتمع بالامام الرضا ويسمع حواراته ومناظراته مع أهل الكتاب وأهل الأديان الأخرى ، حتى علماء الدين كانوا اذا اجتمعوا واستعصت عليهم مشكلة يعرضونها على الامام فيعطيهم جواب مسألتهم في الحال .
*
وجاء دعبل الخزاعي يوماً الى الامام الرضا ، وكان شاعراً يحب أهل البيت وينشد فيهم القصائد ، ودخل عليه حين كان بمرو ، فقال له : ( يا ابن رسول الله إني قد قلت فيك قصيدة ، وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك )
فقال عليه السلام : ( هاتها )
فأنشده :
*
مَـدارسُ آيـاتٍ خَـلَـتْ عـن تـلاوة ومـنـزل وحـي مُـقـفـِرُ الـعـرصـاتِ
*
فلما بلغ إلى قوله :
*
أَرى فَـيـئَـهُـم فـي غـيـرهـم مـتـقـسِّـمـاً وأيـدِيـهـِمُ مـن فَـيئـِهِـم صُـفُـراتِ
*
بكى الإمام الرضا عليه السلام وقال له : ( صدقتَ يا خزاعي )
*
فلما بلغ إلى قوله :
*
إذا وَتَـروا مَـدُّوا إلـى واتِـرِيِـهُـم أَكُـفّـاً عـن الأوتـار مـنـقـبـضـاتِ
*
جعل الإمام عليه السلام يُقَلِّبُ كفَّيه ويقول : ( أجل والله منقبضات )
*
فلما بلغ إلى قوله :
*
لـقـد خـفـتُ فـي الـدنـيـا وأيـام سَـعـيـهـا وإنِّـي لأرجُـو الأمـنَ بـعـد وفـاتـي
*
قال الإمام عليه السلام : ( آمَنَك الله يوم الفزع الأكبر )
*
فلما انتهى إلى قوله :
*
وَقـبـرٌ بـِـَـغـدادٍ لـنـفـس زكـيـةٍ تَـضَـمَّـنَـهـا الـرحـمَـنُ فـي الـغـرفـاتِ
*
قال له الإمام عليه السلام : ( أفلا أُلحِقُ لك بهذا الموضع بيتين بهما تمامُ قصيدتك؟ )
فقال دِعبل : ( بلى يا ابن رسول الله )
فقال الإمام عليه السلام :
*
وَقَـبـرٌ بِـطُـوسٍ يَـا لَـهَـا مِـن مُـصِـيـبَـةٍ تـوقّـد بِـالأحـشَـاءِ فـي الـحُـرُقَـاتِ
إِلـى الحـشـرِ حَـتَّـى يَـبـعـثُ اللهُ قَـائِـمـاً يُـفـرِّجُ عَـنَّـا الـهَـم وَالـكُـرُبَـاتِ
*
فقال دعبل : ( يا ابن رسول الله ، هذا القبر الذي بطوس قبر من هو ؟!! )
*
فقال عليه السلام : ( قبري ، ولا تنقضي الأيام والليالي حتى يصير طوس مختلف شيعتي وزوّاري ، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له )
ثم نهض عليه السلام بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة ، وأمره أن لا يبرح من موضعه ، ودخل الدار فأرسل له بيد الخادم صرَّة فيها مائة دينار .
فقال دعبل :
( والله ما لهذا جئت ، ولا قلت هذه القصيدة طمعاً في شيء يصل إليَّ ) وردَّ الصرَّة .
وسأل ثوباً من ثياب الإمام عليه السلام ليتبرَّك ويتشرَّف به .
*
ولم يكن الامام الرضا هو الوحيد الذي أخبر بفضل من زاره في قبره ، فلقد سبقه بهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عدة أحاديث منها أنه قال : ( ستدفن بضعة مني في خراسان ما زارها مؤمن الا أوجب الله له الجنة وحرم جسده على النار )
*
وقال الرضا أيضاً : ( من زارني على بعد داري أتيته يوم القيامة في ثلاث مواطن حتى أخلصه من أهوالها : اذا تطايرت الكتب يميناً وشمالاً ، وعند الصراط ، وعند الميزان )
*
[ وهـو الامـام عـلـي كـنـيـتـه الـرضـا لـقـب أتـى مـن عـالـم الأكـوان
اذ كـان عـنـه بـالـرسـالـة راضـيـاً وبـذاك نـشـهـد سـورة الانـسـان ]
*
*
فلما صار الغد لبس ثيابه وجلس في محرابه فدخل عليه غلام المأمون وقال: ( أجب امير المؤمنين ) . فلبس نعله ورداءه ومشى وأبي الصلت من ورائه حتى دخل على المأمون . وكان بين يديه طبق من عنب وأطباق فاكهة فلما بصر بالامام وثب اليه ليعانقه وقبل مابين عينيه ، ثم أجلسه معه وقدم اليه العنب وقال : ( يابن رسول الله ما رأيت عنباً أحسن من هذا ) . وطلب منه أن يأكل من العنب فامتنع الإمام عن الأكل وقال : ( أتعفيني منه؟ ) ، ولكن المامون أصر اصراراً شديداً وقال للإمام : ( لا بد لك من ذلك ) ، فتناول عليه السلام من العنقود ثلاث حبات ثم رمى به وقام فقال المأمون : ( إلى أين يا بن العم؟ )
*
فقال عليه السلام : ( إلى حيث وجهتني )
وكان العنب الذي أعطاه المأمون للرضا مسموماً ، وقد أحس الامام بالسم يسري في عروقه . وخرج عليه السلام مغطى الرأس ، فلم يكلمه أبا الصلت حتى دخل داره وأمر بسد أبوابها ، فأغلقت وبقى أبا الصلت واقفاً على باب الدار ينتظر مهموماً حزيناً ، فدخل عليه شاب حسن الوجه أشبه الناس بالرضا فقال له : ( من أين دخلت والباب مغلق؟ )
*
فقال : ( الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق )
فسأله :( من أنت؟ ) . فقال : ( أنا حجة الله عليك يا أبا الصلت ، أنا محمد بن علي ) . ثم دخل على أبيه وأمر أبا الصلت بالدخول معه ، فلما نظر الرضا الى ابنه وثب اليه وعانقه وضمه الى صدره وقبل مابين عينيه ، وأسر اليه بأسرار لم يسمعها أبا الصلت . ولما فارق الحياة من أثر السم ، غسله ابنه وكفنه . ثم جاء المامون واصطنع الحزن والبكاء والافتجاع على الامام .
*
وكان استشهاده في السابع عشر من شهر صفر من سنة ثلاث ومئتين للهجرة . وكتم المأمون استشهاد الرضا يوماً وليله ، ثم أنفذ إلى محمد بن جعفر الصادق عم الإمام ، فلما حضروه نعاه إليهم وبكى متظاهراً ، وأراهم اياه مبيناً أنه صحيح الجسد ، وعلمت الشيعة بذلك فاجتمعوا لتشييع الإمام عليه السلام ، ففزع من وقوع الفتنة ، فخرج محمد بن الصادق بأمر من المأمون ، وفرق الناس ، قائلاً لهم أن أمر الجنازة قد أخر إلى الغد . فلما تفرق الناس ، أخرج المأمون الجنازة الطاهرة ، ثم أن الإمام غسل وكفن وصلى عليه الإمام الجواد عليه السلام في جوف الليل ، ثم أمر المأمون بدفن الإمام بجوار قبر أبيه ، بحيث يكون قبر أبيه أمام قبر الإمام فلم تؤثر المعاول ولم تحفر شيئاً ، فتعجب المأمون في ذلك واستدعى أحد مقربي الإمام وكان يدعى هرثمة الذي كان الإمام عليه السلام يسر له بكثير من المغيبات ، فاقترح هرثمه أن يجعل قبر الإمام أمام قبر هارون ففعلوا ذلك . ودفن عليه السلام في طوس ، تلك البقعة التي تشرفت بضم جسده الطاهر .
*
من أقوال الامام الرضا :
( الصمت باب من أبواب الحكمة ، إنّ الصمت يكسب المحبّة ، إنّه دليل على كل خير )
( صديق كل امرئ عقله ، وعدّوه جهله )
( إنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً ، ونشاطاً وفتوراً ، فإذا أقبلت تبصّرت وفهمت ، وإذا أدبرت كلّت وملّت ، فخذوها عند إقبالها ونشاطها ، واتركوها عند إدبارها وفتورها )
( أحسن الظن بالله ، فإنّ من حسن ظنّه بالله كان الله عند حسن ظنّه ، ومن رضي بالقليل من الرزق قبل منه اليسير من العمل ، ومن رضي باليسير من الحلال خفّت مؤونته ونعم أهله وبصّره الله داء الدنيا ودواءها ، وأخرجه منها سالماً إلى دار السلام )
*
[ سـلام عـلـى روضـة حـل فـيـهـا امـام يـبـاهـي بـه الـمـلـك والـديـن
مـلـك الـهـدى وقـف الـمـلـوك بـبـابـك والـبـاب أضـحـى قـبـلـة الايـمـان ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق