السبت، فبراير 26، 2011

°•.♥.•° غالي ترابك يا وطني حبك نهر دمانا °•.♥.•°

*
[ الـلـهـم صـل عـلـى مـحـمـد وآل مـحـمـد ]
*
تمر علينا في هذه السنة ، عام 2011 ، الذكرى الخمسون للاستقلال في تاريخ 25 فبراير منذ عام 1961
والذكرى العشرون على تحرير كويتنا الحبيبة من الغزو العراقي الغاشم في تاريخ 26 فبراير منذ عام 1991
وعلى مضي خمس سنين على تولي صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح مقاليد الحكم منذ عام 2006
*
وبهذه المناسبة أقامت البلاد احتفالات كبيرة وكثيرة ، أدام الله علينا الفرحة .
ولأنني أحب الشعر مذ كنت صغيرة ، قصصت شعراً طويلاً عن الكويت ، أحببت القصيدة كثيراً فقررت الاحتفاظ بها ، ولا أعرف الشاعر . وقررت وضعها هنا بمناسبة هذه الأيام .
*
قـلـت الـكــــويت فـهـزنـي مـا أكــتـــم
مـن صــــبـوة تـمـلـي عـلـيّ وأنـظـــم
*
وخـواطـر تـوحـي ومـن ايـحــــائـهـــا
صـور مـن الـمـاضـي تـجــــل وتـعـظـم
*
فـظـلـلت أكـتـب والـقـصـيـدة تـنـتـشـي
ولـــســان حـال خـواطــــــري يـتـكـلـم
*
يـصـف انـطـلاقــــــتـي الـتـي لا تـنـثـنـي
وهـوى سـفـيـنـتـي الـتــي لا تـهــــــــزم
*
فـــــي لـجـــــــة مــــلأت بـكـــل مـــنـيـة
وبِـقـــــاعـهـا سَـكَـــن الـقـضـاء الـمـحـكـم
*
شـــرقــــــاً وغـربـاً والـريـاح تـعـيــنـنـي
ودلـــــيــــل رحـلـتـــي الـسـهـي والأنـجـم
*
لا أبــــتـغـي غـيـر الـكـرامـــــة والـعُــــلا
ومـــكـاسـب مـنـهــــا أعـيـــــش وأسـلــم
*
حـتــــى اذا مــــلأ الـبـعــــاد جـوانـحــــي
وجْـــداً ، وأضـنـانــــي فـؤادي الـمـغــرم
*
يـمـمـــت نـاحـيـــة الـكـويـت ولـيـس بـي
شــــوقٌ لـغـيــــر تُـرابـهــــا يـتـضــــَّرم
*
وقــــضـيـت عـمـري فـي هـواهــا طـاعـة
وعـلـــى انـقـضـاء الـعـمــــــر لا أتـنـــدم
*
ورسـمـت وجـهـــي مـن مـلامـــح رمـلـهـا
ومـن الـشـواطـئ سـال فـي عـرقــــي الـدم
*
فــأنــا كــــــويــــــتـــــــــي وكــل خــلــيــة
مــنـــي تــقـــــول كــمــــا أقــول وتــقــسِـــم
*
وأنــا بــكـــل صــغــيـــــــــرة وكــبــيـــــــرة
فــي بــرهــــا أو بــحـرهـــــا تــــتــقـــــــدم
*
وأنـــا انـطـلاقــــــة يـومـهــــا ومسيرهـــــا
نـــحـو الـعُــــلا ، وأنـا الـغــــد الـمـتـحـــتـم
*
قــــد جـئــــت مـن رحــــم الـصـــمـــــــــود
يـحــــــدو بـهـــا شــــوق عــــظـيـم مـحـــدم
*
أمـــشـي وتـتــبـعــــنـي الــــكــــرامـــــــــة
فــــي مـوكـــــبٍ عــــزمـــاتـه تـــتـرنــــــم
*
حـتـى اذا مـــلأَ الـفـــضــــاء غــــنـــاؤهـــا
وغـــــدوت مـثــل سـحـابــــة تـتـبـســـــــم
*
أمـطـرت صـحــــراء الـكـويــــــت وزنـتــهـا
بـتـطــــور مـثـل الـزهــــــور يـنـظــــــــــــم
*
ثـم ألـتـفــــــت بـكـــــل مــــا مـلـكــــت يـدي
لـنــــداء أمـتـــــــــنـا الـتــــي تـتـــــــــــألـم
*
ونـسـجـــت مـن جـسـدي الـضـمـاد ومـن دمـي
كـان الــدواء لـجـرحـــــــهــا والـبـلـســـــــــم
*
وفـتــــحـت قـلـبـــي لـلأحـــبـــة مـنــــــــــزلاً
وهـــل الـعـــــروبـة غـيـر قـــــلـب يـرحــــــم
*
أنـا يـا كـــــــويـــــــت مـن الـمـحـبــــــــــــة
ومـن انـشـغـال الـقـلـب فـيــــــك مـتـيَّــــــــم
*
كـــيـف الـسـبـيــل لـكـي أفـــيـق مــن الهــــوى
وهــــــــواي أكـبـر مـن حـشــــــاي وأعـظـــم
*
وبـأي قـافــيــــــة أتـرجـــــم نـشـــــوتــــــي
وقــــد ازدهـــى مـا كـنـت فـيـه أحـلـــــــــــم
*
حـيــن انـجـــلـت شـمـس الـصـراحـة وانـجـلـى
مـن بـعـد طـــلـعــتـهـا الـظـــــلام الـمـبـهـــم
*
وفـتـحـت بـابــــــــك لـــلـضــــيـــــــــــــــاء
آراء شـــعــــب فـيــــــــــك لا يـتـــقـــــــسَّـم
*
فـتـعـطّـفــــــــــــي يـا أمـنــــــــــــــــــــــــا
وتـكـرَّمــــي يـا خـيــــــر مـن يـتـكــــــــــرم
*
وتـمـخَّـضـي - مـن بـعـد تـجـربـة مـضــــت -
عـن حـنـكــــــة فـي ظـــلـهـــا نـتـقــــــــوم
*
وتـكــون هـيـبـتـهـــا عـلـى الـجـانـــي يـــداً
ويــــــداً لـمـن يـشـكــــــو ومـن يـتـظـلـــــم
*
يـا قـبـلـــــــة الأحـــــــلام والأمـل الـــــــذي
تـتـحـطـــــــم الـدنـيــــــــا ولا يـتـحـطــــــم
*
حـاولــــــت كـتـــــــم مـشـاعـــري لـكـنـنـي
عـبـثـــــــاً أحـــاول كـتــم مـا لا يــكـتــــــــم
*
أومــــــا عـلـمـت بـأنـنـي لـي مـهـجـــــــــة
بـســــــواكِ لا تـحـيـــا ولا تـتـنـعـــــــــــــم
*
وبـأن نــــــار تـشـوقــــــــي لا تـنـطـفــــي
إلا اذا حــــــــل الـقـضـاء الـمـبـــــــــــــرم
*
ولـربـمــــا مـن بـعــد مـوتــــــــي يـشـتـكـي
قـبـــــــري تـولـدهــــــا ومـنـهـا يـهــــــــدم
*
وأعــــــــود ثـانـيــــة الـى الـدنـيــــــــــــــا
بـتـــــذكـر الـمـاضــــــي يـعـود الـمـعــــــدم
*
وأكــــــون فـي حـبــــــــتات رمـلــــك عـزة
وعـلـى الـشـــــــواطـئ مـوجـة لا تـظــلــــم
*
أو نـجـمـة تـهـــــــــدي إلـيـك ضياءهـــــــا
وعـلـيـــــك مـن كـبـد الـسـمـــــــــاء تـسـلـم
*
لا تـسـألـــي الأيـام عـنـي والــــــــــــــورى
فـأنـا بـحـبـك يـا كــــــــويـــــــت مـتـيَّــــــم
*
اللهم احفظ هذا البلد آمناً ، وابعد عنه شر كل حاسد وكل ظالم يريد سوءً بها .

الأحد، فبراير 20، 2011

*! زيارة الناحية المقدسة !*


*
نقلت هذه الزيارة عن سيدي ومولاي الحجة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وهي من الزيارات المطلقة التي يزار بها في يوم عاشوراء وغيرها من سائر الأيام . وفيها وصفاً دقيقاً لما جرى على أبي عبدالله الحسين عليه السلام في ظهر اليوم العاشر من المحرم ، وما جرى على أهل بيته ، وتحتوي على عبارات أليمة تدمي القلب من هول المصاب ، وتدعو الدمع الى التساقط والانهمار .
*
زيارة الناحية المقدسة :
*
السلام على آدم صفوة الله من خليقته ، السلام على شيث ولي الله وخيرته ، السلام على إدريس القائم لله بحجته ، السلام على نوح المجاب في دعوته ، السلام على هود الممدود من الله بمعونته ، السلام على صالح الذي توّجه لله بكرامته ، السلام على إبراهيم الذي حباه الله بخلته ، السلام على اسماعيل الذي فداه الله بذبح عظيم من جنته ، السلام على اسحاق الذي جعل الله النبوة في ذريته ، السلام على يعقوب الذي رد الله عليه بصره برحمته ، السلام على يوسف الذي نجّاه الله من الجب بعظمته ، السلام على موسى الذي فلق الله البحر له بقدرته ، السلام على هارون الذي خصه الله بنبوّته ، السلام على شعيب الذي نصره الله على أمّته ، السلام على داوود الذي تاب الله عليه من خطيئته ، السلام على سليمان الذي ذلت له الجن بعزته ، السلام على أيوب الذي شفاه الله من علته ، السلام على يونس الذي أنجز الله له مضمون عدته ، السلام على عزير الذي أحياه الله بعد موتته ، السلام على زكريا الصابر في محنته ، السلام على يحيى الذي أزلفه الله بشهادته ، السلام على عيسى روح الله وكلمته .
*
السلام على محمد حبيب الله وصفوته ، السلام على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المخصوص بإخوَّته ، السلام على فاطمة الزهراء ابنته ، السلام على أبي محمد الحسن وصي أبيه وخليفته ، السلام على الحسين الذي سمحت نفسه بمهجته ، السلام على من أطاع الله في سره وعلانيته ، السلام على من جعل الله الشفاء في تربته ، السلام على من الإجابة تحت قبته ، السلام على من الأئمة من ذريته . السلام على ابن خاتم الأنبياء ، السلام على ابن سيد الأوصياء ، السلام على ابن فاطمة الزهراء ، السلام على ابن خديجة الكبرى ، السلام على ابن سدرة المنتهى ، السلام على ابن جنة المأوى ، السلام على ابن زمزم والصفا . السلام على المرمل بالدماء ، السلام على المهتوك الخباء ، السلام على خامس أصحاب أهل الكساء ، السلام على غريب الغرباء ، السلام على شهيد الشهداء ، السلام على قتيل الأدعياء ، السلام على ساكن كربلاء ، السلام على من بكته ملائكة السماء ، السلام على من ذريته الأزكياء ، السلام على يعسوب الدين ، السلام على منازل البراهين . السلام على الأئمة السادات ، السلام على الجيوب المضرجات ، السلام على الشفاه الذابلات ، السلام على النفوس المصطلمات ، السلام على الأرواح المختلسات ، السلام على الأجساد العاريات ، السلام على الجسوم الشاحبات ، السلام على الدماء السائلات ، السلام على الأعضاء المقطعات ، السلام على الرؤوس المشالات ، السلام على النسوة البارزات .
*
السلام على حجة رب العالمين ، السلام عليك وعلى آبائك الطاهرين ، السلام عليك وعلى أبنائك المستشهدين ، السلام عليك وعلى ذريتك الناصرين ، السلام عليك وعلى الملائكة المضاجعين ، السلام على القتيل المظلوم ، السلام على أخيه المسموم . السلام على علي الكبير ، السلام على الرضيع الصغير ، السلام على الأبدان السليبة ، السلام على العترة القريبة ، السلام على المجدلين في الفلوات ، السلام على النازحين عن الأوطان ، السلام على المدفونين بلا أكفان ، السلام على الرؤوس المفرقة عن الأبدان . السلام على المحتسب الصابر ، السلام على المظلوم بلا ناصر ، السلام على ساكن التربة الزاكية ، السلام على صاحب القبة السامية ، السلام على من طهَّره الجليل ، السلام على من افتخر به جبرئيل ، السلام على من ناغاه في المهد ميكائيل . السلام على من نكثت ذمته ، السلام على من هتكت حرمته ، السلام على من أريق بالظلم دمه ، السلام على المغسل بدم الجراح ، السلام على المجرع بكاسات الرماح ، السلام على المضام المستباح ، السلام على المنحور في الورى ، السلام على من دفنه أهل القرى . السلام على المقطوع الوتين ، السلام على المحامي بلا معين ، السلام على الشيب الخضيب ، السلام على الخد التريب ، السلام على البدن السليب ، السلام على الثغر المقروع بالقضيب ، السلام على الرأس المرفوع ، السلام على الأجسام العارية في الفلوات ، تنهشها الذئاب العاديات ، وتختلف إليها السباع الضاريات ، السلام عليك يا مولاي وعلى الملائكة المرفرفين حول قبتك ، الحافين بتربتك ، الطائفين بعرصتك ، الواردين لزيارتك . السلام عليك فإني قصدت إليك ، ورجوت الفوز لديك ، السلام عليك سلام العارف بحرمتك ، المخلص في ولايتك ، المتقرب إلى الله بمحبتك ، البري‏ء من أعدائك ، سلام من قلبه بمصابك مقروح ، ودمعه عند ذكرك مسفوح ، سلام المفجوع الحزين ، الواله المستكين ، سلام من لو كان معك بالطفوف ، لوقاك بنفسه حد السيوف ، وبذل حشاشته دونك للحتوف ، وجاهد بين يديك ، ونصرك على من بغى عليك ، وفداك بروحه وجسده وماله وولده ، وروحه لروحك فداء ، وأهله لأهلك وقاء . فلئن أخرتني الدهور ، وعاقني عن نصرك المقدور ، ولم أكن لمن حاربك محاربا ، ولمن نصب لك العداوة مناصبا ، فلأندبنك صباحا ومساء ، ولأبكين لك بدل الدموع دما ، حسرة عليك وتأسفا على ما دهاك وتلهفا حتى أموت بلوعة المصاب ، وغصة الاكتياب .
*
أشهد أنك قد أقمت الصلاة ، وآتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر والعدوان ، وأطعت الله وما عصيته ، وتمسكت به وبحبله فأرضيته ، وخشيته وراقبته واستجبته ، وسننت السنن ، وأطفأت الفتن . ودعوت إلى الرشاد ، وأوضحت سبل السداد ، وجاهدت في الله حق الجهاد ، وكنت لله طائعا ، ولجدك محمد صلى الله عليه وآله وسلم تابعا ، ولقول أبيك سامعا ، وإلى وصية أخيك مسارعا ، ولعماد الدين رافعا ، وللطغيان قامعا ، وللطغاة مقارعا ، وللأمة ناصحا ، وفي غمرات الموت سابحا ، وللفساق مكافحا ، وبحجج الله قائما ، وللإسلام والمسلمين راحما ، وللحق ناصرا ، وعند البلاء صابرا ، وللدين كالئا ، وعن حوزته مراميا . تحوط الهدى وتنصره ، وتبسط العدل وتنشره ، وتنصر الدين وتظهره ، وتكف العابث وتزجره ، وتأخذ للدني من الشريف ، وتساوي في الحكم بين القوي والضعيف ، كنت ربيع الأيتام ، وعصمة الأنام ، وعز الإسلام ، ومعدن الأحكام ، وحليف الإنعام ، سالكا طرائق جدك وأبيك ، مشبها في الوصية لأخيك ، وفيّ الذمم رضيّ الشيم ، ظاهر الكرم ، متهجدا في الظلم ، قويم الطرائق ، كريم الخلائق ، عظيم السوابق ، شريف النسب ، منيف الحسب ، رفيع الرتب ، كثير المناقب ، محمود الضرائب ، جزيل المواهب . حليم رشيد ، منيب جواد ، عليم شديد ، إمام شهيد ، أواه منيب ، حبيب مهيب ، كنت للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولدا ، وللقرآن سندا ، وللأمة عضدا ، وفي الطاعة مجتهدا ، حافظا للعهد والميثاق ، ناكبا عن سبل الفساق ، وباذلا للمجهود ، طويل الركوع والسجود ، زاهدا في الدنيا ، زهد الراحل عنها ، ناظرا إليها بعين المستوحشين منها ، آمالك عنها مكفوفة ، وهمتك عن زينتها مصروفة ، وإلحاظك عن بهجتها مطروفة ، ورغبتك في الآخرة معروفة ، حتى إذا الجور مد باعه ، وأسفر الظلم قناعه ، ودعا الغي أتباعه . وأنت في حرم جدك قاطن ، وللظالمين مباين ، جليس البيت والمحراب ، معتزل عن اللذات والشهوات ، تنكر المنكر بقلبك ولسانك ، على حسب طاقتك وإمكانك . ثم اقتضاك العلم للإنكار ، ولزمك أن تجاهد الفجار ، فسرت في أولادك وأهاليك وشيعتك ومواليك ، وصدعت بالحق والبينة ، ودعوت إلى الله بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وأمرت بإقامة الحدود ، والطاعة للمعبود ، ونهيت عن الخبائث والطغيان ، وواجهوك بالظلم والعدوان ، فجاهدتهم بعد الايعاز إليهم ، وتأكيد الحجة عليهم ، فنكثوا ذمامك وبيعتك ، وأسخطوا ربك وجدك ، وبدؤوك بالحرب ، فثبتَّ للطعن والضرب ، وطحنت جنود الفجار ، واقتحمت قسطل الغبار ، مجاهدا بذي الفقار ، كأنك علي المختار ، فلما رأوك ثابت الجأش ، غير خائف ولا خاش ، نصبوا لك غوائل مكرهم ، وقاتلوك بكيدهم وشرهم ، وأمر اللعين جنوده ، فمنعوك الماء ووروده ، وناجزوك القتال وعاجلوك النزال ، ورشقوك بالسهام والنبال ، وبسطوا إليك أكف الاصطلام ، ولم يرعوا لك ذماما ، ولا راقبوا فيك آثاما ، في قتلهم أولياءك ، ونهبهم رحالك ، وأنت مقدم في الهبوات ، ومحتمل للأذيات ، قد عجبت من صبرك ملائكة السماوات ، فأحدقوا بك من كل الجهات ، وأثخنوك بالجراح ، وحالوا بينك وبين الرواح ، ولم يبق لك ناصر ، وأنت محتسب صابر ، تذب عن نسوتك وأولادك ، حتى نكسوك عن جوادك ، فهويت إلى الأرض جريحا ، تطؤك الخيول بحوافرها ، و تعلوك الطغاة ببواترها ، قد رشح للموت جبينك ، واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك ، تدير طرفا خفيا إلى رحلك وبيتك ، وقد شغلت بنفسك عن ولدك وأهاليك . وأسرع فرسك شاردا إلى خيامك ، قاصدا محمحما باكيا ، فلما رأين النساء جوادك مخزيا ، ونظرن سرجك عليه ملويا ، برزن من الخدور ناشرات الشعور ، على الخدود لاطمات الوجوه سافرات ، وبالعويل داعيات ، وبعد العز مذللات ، وإلى مصرعك مبادرات ، والشمر جالس على صدرك ، مولغ سيفه على نحرك ، قابض على شيبتك بيده ، ذابح لك بمهنده ، قد سكنت حواسك ، وخفيت أنفاسك ، ورفع على القناة رأسك . وسبي أهلك كالعبيد ، وصفدوا في الحديد ، فوق أقتاب المطيات ، تلفح وجوههم حر الهاجرات ، يساقون في البراري والفلوات ، أيديهم مغلولة إلى الأعناق ، يطاف بهم في الأسواق .
*
فالويل للعصاة الفساق ، لقد قتلوا بقتلك الإسلام ، وعطلوا الصلاة والصيام ، ونقضوا السنن والأحكام ، وهدموا قواعد الإيمان ، وحرفوا آيات القرآن ، وهمجوا في البغي والعدوان ، لقد أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أجلك موتورا ، وعاد كتاب الله عز وجل مهجورا ، وغودر الحق إذ قهرت مقهورا ، وفقد بفقدك التكبير والتهليل ، والتحريم والتحليل ، والتنزيل والتأويل ، وظهر بعدك التغيير والتبديل ، والإلحاد والتعطيل ، والأهواء والأضاليل ، والفتن . فقام ناعيك عند قبر جدك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فنعاك إليه بالدمع الهطول ، قائلا يا رسول الله ، قتل سبطك وفتاك ، واستبيح أهلك وحماك ، وسبيت بعدك ذراريك ، ووقع المحذور بعترتك وذويك ، فانزعج الرسول وبكى قلبه المهول ، وعزاه بك الملائكة والأنبياء ، وفجعت بك أمك الزهراء ، واختلف جنود الملائكة المقربين ، تعزي أباك أمير المؤمنين ، وأقيمت لك المأتم في أعلى عليين ، ولطمت عليك الحور العين . وبكت السماء وسكانها ، والجنان وخزانها ، والهضاب وأقطارها ، والبحار وحيتانها ، ومكة وبنيانها ، والجنان وولدانها ، والبيت والمقام ، والمشعر الحرام ، والحل والإحرام . اللهم فبحرمة هذا المكان المنيف ، صل على محمد وآل محمد ، واحشرني في زمرتهم ، وأدخلني الجنة بشفاعتهم ، اللهم إني أتوسل إليك ، يا أسرع الحاسبين ، ويا أكرم الأكرمين ، ويا أحكم الحاكمين ، بمحمد خاتم النبيين ، ورسولك إلى العالمين أجمعين ، وبأخيه وابن عمه الأنزع البطين ، العالم المكين ، علي أمير المؤمنين ، وبفاطمة سيدة نساء العالمين ، وبالحسن الزكي عصمة المتقين ، وبأبي عبد الله الحسين أكرم المستشهدين ، وبأولاده المقتولين ، وبعترته المظلومين ، وبعلي بن الحسين زين العابدين ، وبمحمد بن علي قبلة الأوابين ، وبجعفر بن محمد أصدق الصادقين ، وبموسى بن جعفر مُظهر البراهين ، وبعلي بن موسى ناصر الدين ، وبمحمد بن علي قدوة المهتدين ، وبعلي بن محمد أزهد الزاهدين ، وبالحسن بن علي وارث المستخلفين ، وبالحجة على الخلق أجمعين ، أن تصلي على محمد و آل محمد الصادقين الأبرين ، آل طه وياسين ، وأن تجعلني في القيامة من الآمنين المطمئنين ، الفائزين الفرحين المستبشرين .
*
اللهم اكتبني في المسلمين ، وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ، وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ، وانصرني على الباغين ، واكفني كيد الحاسدين ، واصرف عني مكر الماكرين ، واقبض عني أيدي الظالمين ، واجمع بيني وبين السادة الميامين ، في أعلى عليين ، مع الذين أنعمت عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ ، وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ ، برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم إني أقسم عليك بنبيك المعصوم ، وبحكمك المحتوم ، ونهيك المكتوم ، وبهذا القبر الملموم ، الموسد في كنفه الإمام المعصوم ، المقتول المظلوم ، أن تكشف ما بي من الغموم ، وتصرف عني شر القدر المحتوم ، وتجيرني من النار ذات السموم . اللهم جللني بنعمتك ، ورضني بقسمك ، وتغمدني بجودك وكرمك ، وباعدني من مكرك ونقمتك . اللهم اعصمني من الزلل ، وسددني في القول والعمل ، وافسح لي في مدة الأجل ، وأعفني من الأوجاع والعلل ، وبلغني بموالي وبفضلك أفضل الأمل . اللهم صل على محمد وآل محمد ، واقبل توبتي ، وارحم عبرتي ، وأقلني عثرتي ، ونفس كربتي ، واغفر لي خطيئتي ، وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي . اللهم لا تدع لي في هذا المشهد المعظم ، والمحل المكرم ، ذنبا إلا غفرته ، ولا عيبا إلا سترته ، ولا غما إلا كشفته ، ولا رزقا إلا بسطته ، ولا جاها إلا عمرته ، ولا فسادا إلا أصلحته ، ولا أملا إلا بلغته ، ولا دعاء إلا أجبته ، ولا مضيقا إلا فرجته ، ولا شملا إلا جمعته ، ولا أمرا إلا أتممته ، ولا مالا إلا كثرته ، ولا خلقا إلا حسنته ، ولا إنفاقا إلا أخلفته ، ولا حالا إلا عمرته ، ولا حسودا إلا قمعته ، ولا عدوا إلا أرديته ، ولا شرا إلا كفيته ، ولا مرضا إلا شفيته ، ولا بعيدا إلا أدنيته ، ولا شعثا إلا لممته ، ولا سؤالا إلا أعطيته . اللهم إني أسألك خير العاجلة ، وثواب الآجلة ، اللهم أغنني بحلالك عن الحرام ، وبفضلك عن جميع الأنام ، اللهم إني أسألك علما نافعا ، وقلبا خاشعا ، ويقينا شافيا ، وعملا زاكيا ، وصبرا جميلا ، وأجرا جزيلا . اللهم ارزقني شكر نعمتك عليّ ، وزد في إحسانك وكرمك إليّ ، واجعل قولي في الناس مسموعا ، وعملي عندك مرفوعا ، وأثري في الخيرات متبوعا ، وعدوي مقموعا . اللهم صل على محمد وآل محمد الأخيار ، في آناء الليل وأطراف النهار ، واكفني شر الأشرار ، وطهرني من الذنوب والأوزار ، وأجرني من النار ، وأحلني دار القرار ، واغفر لي ولجميع إخواني وأخواتي المؤمنين والمؤمنات ، برحمتك يا أرحم الراحمين .

الثلاثاء، فبراير 15، 2011

<< العـودة الـى الـديـار >>


*
[ شـاخ الـعـتـب سـيـدي فـأصْـغِ لـنـجـوى زيـنـبَ تـنـطـقُ غـربـةً وتـكـتـمُ اخـتـنـاقـا
فـدرب الـمـديـنـةِ حـنَّ لـحـدوِك اشـتـيـاقـا ]
*
سئل الامام زين العابدين عليه السلام عن سبب استعجاله في الخروج من كربلاء والعودة الى المدينة المنورة فقال : ( خفت على عمتي زينب أن تموت لأنها لا تنام ولا تشرب ولا تأكل وكان شرابها وأكلها ونومها البكاء ، تقوم من قبر وتجلس عند قبر آخر )
*
كانت السيدة زينب مدة بقائها في كربلاء تطوف حول القبور ، من قبر سيد الشهداء الى قبر العباس عند نهر الفرات ومنه تعود الى قبر أبي عبدالله ، صار طوافها كالذي يطوف بين جبلي الصفا والمروة ، تقوم وتقعد من التعب والبكاء ، ثم تتوجه الى زين الشباب علي الأكبر والقاسم بن الحسن وتنوح وتبكي شبابهم وربيع أعمارهم ، ثم تتوجه الى قبور الأنصار الذين لم يقصروا في نصرة أبي عبدالله الحسين عليه السلام . وكذلك كان الحال مع بقية النساء .
وحينما رأى الامام زين العابدين عليه السلام منها ذلك ، خشي عليها من الهلاك ، فأمر النسوة بتوديع قبور الأحبة ، فلقد حان وقت رجوعهم لمدينة جدهم . وكانت مدة بقائهم في كربلاء ثلاثة أيام .
*
سارت قافلة الأحزان تشق طريقها في الصحراء عائدة الى ديارها ، الديار التي غادروها وكان على رأسهم سيدهم ومولاهم الحسين والأقمار المنيرة من أهل بيته ، معززين مكرمين في ظل حماتهم . والآن يعودوها مطأطئي الرؤوس ، محدودبي الظهر من المصيبة العظيمة والأهوال التي لاقوها والرزايا الجليلة .
وحينما لاحت في الأفق أسوار المدينة المنورة ، رفعت أم كلثوم رأسها وقالت بحزن :
*
مـديـنـة جـدّنـا لا تـقـبـلـيـنـا فـبـالـحـسـرات والأحـزان جـيـنـا
خـرجـنـا مـنـك بـالأهـلـيـن جـمـعـاً رجـعـنـا لا رجـال ولا بـنـيـنـا
*
ولما قرب الموكب من المدينة نزل السجاد فحط رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه وقال لبشر بن حذلم : ( يا بشر رحم الله أباك لقد كان شاعرا فهل تقدر على شيء منه؟ )
قال بشر : ( نعم يابن رسول الله إني لشاعر )
فقال عليه السلام : ( فادخل المدينه وانع أبا عبدالله )
*
فركب فرسه وركض حتى دخل المدينة فلما بلغ مسجد النبي رفع صوته بالبكاء وأنشأ يقول :
*
يـا أهـل يـثـرب لا مُـقـام لـكـم بـهـا قُـتـل الـحـسـيـن فـأدمُـعـي مـدرارُ
الـجـسـم مـنـه بـكـربـلاء مـضـرجٌ والـرأس مـنـه عـلـى الـقـنـاةِ يُـدار
*
ثم قال : ( هذا علي بن الحسين مع عماته وأخواته قد حلوا بساحتكم ، ونزلوا بفنائكم ، وأنا رسوله إليكم أُعرفكم مكانه )
فقالت امرأة : ( أيها الناعي جددت حزننا بأبي عبدالله وخدشت منا قروحا لم تندمل فمن أنت يرحمك الله؟ )
قال : ( أنا بشر بن حذلم وجهني مولاي علي بن الحسين وهو نازل مع عيال أبي عبدالله ونسائه )
*
فما بقيت في المدينة مُخدَّرة إلا وبرزت من خدرها ، ضاربة وجهها داعية بالويل والثبور ، فلم يُرَ باكياً أكثر من ذلك اليوم ، ولا يوماً أمر على المسلمين منه .
*
[ والـبـقـايـا بـجـمـر الـحـنـيـن إنـه صـوت أم الـبـنـيـن ]
*
أتت امرأة ناحية الناعي تشق الصفوف ، فلما وصلت إليه سألته : ( ما الخبر؟ )
فالتفت وسأل من حوله عن هذه المرأة فقيل له أنها أم البنين ، أم العباس واخوته . فقالت له : ( يا بشر أسألك بالله هل الحسين حي أم لا؟ )فأراد بشر أن يخبرها بشهادة أبنائها واحدا بعد الآخر لتخفيف الألم عنها ، فقال لها : ( يا أم البنين عظم الله لك الأجر بولدك جعفر )
قالت : ( وهل سمعتني اسألك عن جعفر؟ )
فقال لها : ( عظم الله لك الأجر بولدك عبدالله )
قالت : ( يا بشر أخبرني عن الحسين )
فقال : ( عظم الله لك الأجر بعثمان )
فأعادت عليه سؤالها عن أبي عبدالله فقال : ( يا أم البنين عظم الله لك الأجر بقمر العشيرة أبي الفضل العباس )
قالت : ( ويحك لقد قطعت نياط قلبي ، أخبرني عن الحسين )
فقال لها بشر : ( يا أم البنين عظم الله لك الأجر بأبي عبد الله الحسين )
*
فما إن سمعت بالخبر، صرخت مولولة ورجعت إلى دار بني هاشم منادية :
*
ألا لا تُـزار الـدار إلا بـأهـلـهـا عـلـى الـدار مـن بـعـد الـحـسـيـن سـلام
*
وأسرع الناس الى حيث نزل الامام عليه السلام وازدحموا حول فسطاطه ، فخرج الإمام ليقابل الجموع الغفيرة المحتشدة لتقدم التعازي ، ومعه خرقة يمسح بها دموعه ، فأخرج الخادم له كرسياً فجلس عليه وهو لا يتمالك نفسه من العبرة ، فارتفعت أصوات الناس بالبكاء من حوله فأومأ بيده إليهم أن اسكتوا وقال :
*
( الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، بارئ الخلق أجمعين الذي بعد فارتفع في السماوات العلى ، وقرب فشهد النجوى . نحمده على عظائم الأمور وفجائع الدهور وألم الفجائع ومضاضة اللواذع وجليل الرزء وعظيم المصائب الفاظعة الكاظة الفادحة الجائحة . إن الله وله الحمد ابتلانا بمصائب جليلة وثلمة في الإسلام عظيمة ، قتل أبو عبد الله وعترته وسبي نساؤه وصبيته وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان ، وهذه الرزية التي لا مثلها رزية .
أيها الناس فأي الرجالات منكم يسرون بعد قتله؟ أم أي فؤاد لا يحزن من أجله ، أم أي عين منكم تحبس دمعها وتضن عن انهمالها ، فلقد بكت السبع الشداد لقتله ، وبكت البحار بأمواجها ، والسماوات بأركانها ، والأرض بأرجائها ، والأشجار بأغصانها ، والحيتان ولجج البحار ، والملائكة المقرّبون وأهل السماوات أجمعون . وأي قلب لا يتصدع لقتله ، وأي فؤاد لا يحن إليه ، وأي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام ولا يصم . أيها الناس أصبحنا مطرودين مشردين مذودين شاسعين عن الأبصار من غير جرم اجترمناه ولا مكروه ارتكبناه ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين إن هذا إلا اختلاق ، والله لو أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها وأوجعها وأفظعها وأمرها وأفدحها فعند الله نحتسب ما أصابنا وما بلغ منا إنه عزيز ذو انتقام )
*
فضج الناس بالبكاء والعويل ، وحزنت مدينة الرسول حزناً عميقاً على العترة الطاهرة وأقامت أياماً بلياليها تشهد المأتم الرهيب .
*
[ يـا راجـعـيـن الـسـبـايـا قـاصـديـن إلـى أرض الـمـديـنـة ذاك الـمـربـع الـخـضـر
خـذوا لـكـم مـن دم الأحـبـاب تـحـفـتـكـم وخـاطـبـوا الـجـد هـذي تـحـفـة الـسـفـر ]
*
ثم زحف الإمام مع عمّاته وأخواته وقد أحاطت به الجماهير وعلت أصواتهم بالبكاء والعويل ، فقصدوا الجامع النبوي ، ولمّا انتهوا إليه أخذت العقيلة بعضادتي باب الجامع ، وأخذت تخاطب جدها الرسول وتعزيه بمصاب ريحانته قائلة : ( يا جدّاه، إنّي ناعية إليك أخي الحسين )
وكانت تعزي أمها بفلذة كبدها الحسين وتشكو لها لواعجها وهموهما وأحزانها ، وما لاقته من بعد حماتها .
وأقمن العلويات المأتم على سيّد الشهداء ، ولبسن السواد ، وأخذن يندبنه بأقسى وأشجى ما تكون الندبة .
وكان الدليل الذي أتى بهم من الشام الى كربلاء ومنها الى المدينة رحيما رؤوفا بهم . فالتفتت امرأة من النساء الى العقيله زينب وسألتها : ( لقد أحسن هذا الرجل إلينا فهل لك أن نصله بشيء؟ )
فأجابتها العقيلة : ( والله ما معنا شيء نصله به إلاّ حلينا )
*
فأخرجا سوارين ودملجين ، وبعثتا بهما إليه واعتذرتا له ، وتأثّر الرجل من هذا الكرم الغامر وهو يعلم ما هن فيه من الضيق والشدة ، فقال لهما باحترام : ( لو كان الذي صنعت للدنيا لكان في هذا ما يرضيني ، ولكن والله ما فعلته إلاّ لله ولقرابتكم من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم )
*
ورأت النساء دار الحسين وأهل بيته ، خالية من ساكنيها موحشة ، فقدت أنوارها وحلت محلها الظلمة الحالكة ، واختفت صدى أصواتهم العذبة منها . والتقت الفاقدات بالعليلة فاطمة ، الحزينة ، ورأت الركب قد عاد دون أبيها ودون اخوتها ودون أعمامها ، فصاحت وأنت أنينا يقطع نياط القلوب .
*
وارتمت العقيلة على صدر زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم سلمة ، تشكو لها المصاب ، منذ ظهر يوم عاشوراء ، وقتل الحسين عطشان واحراق الخيام ، وسلب النساء وفرارهن في البراري ، وعطش الأطفال وموت البعض منهم عطشاً ، ورحيلهم عن أرض كربلاء تاركين ريحانة النبي وأهل بيته وأصحابه مرملين بالدماء على الثرى ، وسوقهم سبايا مغلولي الأيدي والأعناق ، يحدونهم بضرب السياط ، ودخولهم الكوفة عاصمة خلافة أمير المؤمنين مذلولين ، وما جرى في قصر ابن زياد ، وجمهور الكوفة ، ثم الطريق الى الشام ، وملاقاتهم اللعين يزيد ، وضربه لثنايا أبي عبدالله بالقضيب دون مراعاة لقرابته من الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، وموت رقية صغيرة الحسين في الشام وتركها هناك غريبة في تلك الديار ، والعودة في يوم الأربعين الى كربلاء . كل تلك المآسي والمحن ألقتها على زوجة الرسول الكريم ، والدموع تنهمر منهما ولا تجف . وبلغ بأم سلمة الحزن ، حتى أنها توفيت بعد المصاب بزمن قليل ، توفيت أثر الحزن والأسى على سيد شباب أهل الجنة .
*
[ لـقـد سـال دمـعٌ لأم الـبـنـيـن
نُـواح الـثـكـالـى بـه يـسـتـعـيـن ]
*
عندما نزلت الحوراء زينب في دارها ، أقامت المأتم على أبي عبدالله وقالت لجاريتها أن لا تدخل عليها أحد الا من شاركتها في مصابها في كربلاء . وطرقت الباب فقالت الجارية للطارق أن مولاتها أمرتها بأن لا تدخل عليها أحد ، فأجابها الطارق : ( قولي لها أنا أم البنين )
فجاءت الجارية وأخبرت العقيلة فأجابتها : ( أدخليها فإنها شريكتنا في المصاب )
وأتت أم البنين تضم الحوراء وزينب تضمها وتبكي ، تلك تعزيها بسيد الشهداء وزينب تعزيها بالعباس وأبنائها الثلاثة ، تعزيها بالقمر الذي انطفى نوره ، تعزيها بالكفان اللتان قطعتا ، تعزيها بالبدور التي خسفها الردى .
وخطت أم البنين خمسة قبور رمزية في مقبرة البقيع ، أربعة لأولادها والقبر الخامس لسيد الشهداء الحسين عليه السلام ، تبكي عليهم ، وتندبهم بندبة حزينة تحرق قلب كل من سمعها ، حتى قلب مروان بن الحكم ، عدو آل أبي طالب . واستمرت لوعتها وأحزانها حتى وفاتها .
وكان كلما يناديها شخص بأم البنين ترثي أبنائها وتقول :
*
لا تـدعـونّـي ويـك أم الـبـنـيـن تـذكـريـنـي بـلـيـوث الـعـريـن
كـانـت بـنـون لـي أُدعـى بـهـم والـيـوم أصـبـحـت ولا مـن بـنـيـن
أربـعـة مـثـل نـسـور الـربـى قـد واصـلـوا الـمـوت بـقـطـع الـوتـيـن
تـنـازع الـخـرصـان أشـلائـهـم فـكـلـهـم أمـسـى صـريـعـاً طـعـيـن
يـالـيـت شـعـري أكـمـا أخـبـروا بـأن عـبـاسـاً قـطـيـع الـيـمـيـن
*
وظلت النسوة لابسة السواد ، ترثي الحسين وتندبه ، لا تزور شفاههن بسمة ، ولا يقدم لهن طعام وشراب الا ويتذكرن عطش وجوع أبا عبدالله .
فقد قال الصادق عليه السلام : ( ما اكتحلت هاشمية و لا اختضبت و لا رئي في دار هاشمي دخان خمس سنين حتى قتل عبيد الله بن زياد )
*
أما الرباب زوجة الامام الحسين ، فكانت هي وابنتها سكينة أحب النساء الى قلب أبي عبدالله الحسين ، وقد لاحظ الناس عليه محبته لهاتين السيدتين فأنشد يوماً :
*
لـعـمرك إنـي لأُحـب داراً تـحـل بـهـا سـكـيـنـة والـربـاب
أحـبـهـمـا وأبـذل جـل مـالـي ولـيـس لـلائـمـي فـيـهـا عـتـاب
ولـسـت لـهـم وإن عـتـبـوا مـطـيـعـاً حـيـاتي أو يـعـلـيـنـي الـتـراب
*
ومن بعد مصيبة عاشوراء ، ما استظلت الرباب بظل أبداً ، ولا جلست تحت سقف يحميها من حرارة الشمس أو برد الشتاء ، فكيف تستظل وتجلس تحت سقف وقد رأت بأم عينيها ريحانة رسول الله تصهره حرارة الشمس ، مرمي بالعراء فوق لهيب الثرى ، وظلت هكذا حتى تقشر جلدها وذاب لحمها وتوفيت حزناً وكمداً على أبي عبدالله الحسين عليه السلام .
ومن مراثيها على الامام الحسين عليه السلام :
*
واحـسـيـنـا فلا نـسـيـت حـسـيـنـا قـصـدتـه أسـنـة الأدعـيـاء
غـادروه بـكـربـلاء صـريـعـا لا سـقـى الله جـانـبـي كـربـلاء
*
ولم تبق العقيلة زينب بعد استشهاد أخيها عمراً طويلاً ، فقد توفيت سلام الله عليها بعد واقعة الطف بسنة ونصف .
أما الامام زين العابدين عليه السلام فلم يزل ليله ونهاره باكي العين على سيد شباب أهل الجنة ، وكان ألمه يزداد كلما رأى امرأة شهدت معه كربلاء ويقول : ( ما نظرت إلى عماتي وأخواتي إلا تذكرت فرارهن من خيمة إلى خيمة )
*
[ مـا جـرى شـيءٌ عـظـيـمٌ مـا جـرى أبـكـى الـسـمـا
مـا جـرى أمـرٌ رهـيـبٌ مـا جـرى فـتَّ الـحـشـا ]

الثلاثاء، فبراير 01، 2011

-: وإنك لعلى خلق عظيم :-

*
[ أمـا مـا تـرى الـزهـراء تـنـدب خـلـفـه ودمـوعـهـا ســيـل الـغـمـام تـسـيـل
وتَـحِـنُّ مـن قـلـبٍ مـلـيءٍ طـورا وطـورا تـنـثـنـي فـتـقـول
حـزنـي لـفـقـدك سـرمـدٌ لا تـنـقـضـي أيـامُـه حـتـى يـحـيـن رحـيـل ]
*
اسمه ونسبه : محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ، وينتهي نسبه الشريف الى النبي ابراهيم عليه السلام
أمه : آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب
توفيت أمه وعمره ست سنين ، أما أباه فقد توفي ولم يكن قد أشرق نور محمد على الدنيا بعد . وبعد وفاة أمه كفله جده عبدالمطلب ولما بلغ عمره ثمان سنين توفى جده فكفله عمه أبو طالب وأحسن كفالته ، وكان لا يفارقه ليلاً ولا نهاراً ، وصحبه في أسفاره إلى الشام للتجارة .
*
كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحكم الناس وأحلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم وأسخاهم ، لا يثبت عنده دينار ولا درهم ولا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من يسير ما يجد من التمر والشعير ، ويضع سائر ذلك في سبيل الله . وكان يقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ويأكلها ولا يأكل الصدقة ولا يثبت بصره في وجه أحد ، وكان يغضب لربه ولا يغضب لنفسه ، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع ، ويأكل ما حضر ولا يرد ما وجد ولا يلبس ثوبين بل يلبس بردا حبرة يمنية وشملة وجبة صوف والغليظ من القطن والكتان واكثر ثيابه البياض . وكان إذا لبس جديدا أعطى خلق ثيابه مسكينا ،وكان يلبس خاتم فضة في خنصره الأيمن ، ويشيع الجنائز ويعود المرضى في أقصى المدينة ، يجالس الفقراء ويؤاكل المساكين ويناولهم بيده ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم ويتألف أهل الشر بالبر لهم ، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم ، إلا بما أمر الله ولا يجفو على أحد ، وكان أكثر الناس تبسما ما لم ينزل عليه القرآن وربما ضحك من غير قهقهة لا يرتفع على عبيده وإمائه في مأكل ولا في ملبس ، ولا يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلا قام معه في حاجته ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يغفر ويصفح ، ويبدأ من لقيه بالسلام وإذا لقي مسلما بدأه بالمصافحة . وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته وأقبل عليه وقال ألك حاجة؟ وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة . وكان يمزح ولا يقول إلا حقا.
وامتاز النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة ، فقد كان بعيدا عن كل ما يشين سمعته سواء في أقواله أو أفعاله ، سواء قبل النبوة أو بعدها ، متواضعا عفيفا صادقا أمينا حتى لقبته قريش بالصادق الأمين . وكان صلى الله عليه وآله وسلم حليما كريما سخيا شجاعا أوفى العرب ذمة ، صبورا على المكاره والأذى في سبيل نشر دعوته . وكان لا
يغضب لنفسه ولا ينتقم لها ، سفيقا لأصحابه كثير التردد إليهم ، يقبل معذرة من اعتذر إليه ، يحب الفقراء والمساكين ويأكل معهم ، قليل الأكل ، يختار الجوع على الشبع مواساة للفقراء . وكان صلى الله عليه وآله وسلم يجلس على التراب ويرقع ثوبه ويخصف نعله بيده الكريمة ، وكان لا يجلس ولا يقوم إلا ذكر الله تعالى . وقد مدحه الله جل جلاله بقوله تعالى { وإنك لعلى خلق عظيم }
*
وحتى عندما خرج من الطائف وهو يدعو اهلها الى الإسلام ورموه بالحجارة واثخنوه بالجراح ، وخرج من بينهم حزينا كئبيا كان يشكو الى الله حزنه ويدعو لهم ولم يدع عليهم ، مع أن الامين جبرئيل قال له أنه ينتظر منه كلمة ليخسف بهم الجبال التي تحيط بهم ، مع هذا لم يدعو عليهم ولم يسلط عليهم العذاب ، بل دعى لهم ، وهذا نابع من خلقه الكريم . وأنا شخصياً لا أعتقد بأن سورة عبس التي تقول في مطلعها : { عَبَسَ وَتَوَلَّى ، أَن جَاءَهُ الأَعْمَى } قد نزلت بسبب عبوسه في وجه الأعمى ، فهذا الفعل لا يصدر من شخص مثالي كالرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، فالقرآن لا يناقض آياته ، فقد نزلت آية في سورة أخرى تقول : { ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك }
*
خرج صلى الله عليه وآله وسلم إلى الشام في تجارة لخديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة مع غلامها ميسرة ، وكانت خديجة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في تجارتها . ولما علم أبو طالب بأنها تهيئ تجارتها لإرسالها إلى الشام مع القافلة قال له : ( يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي وقد اشتد الزمان علينا وقد بلغني أن خديجة استأجرت فلانا ببكرين ولسنا نرضى لك بمثل ما أعطته فهل لك أن أكلمها؟ ) قال : ( ما أحببت ) . فذهب إليها وقال لها أبو طالب : (هل لك أن تستأجري محمدا؟ فقد بلغنا انك استأجرت فلانا ببكرين ولسنا نرضى لمحمد دون أربعة بكار ) فقالت : ( لو سألت ذلك لبعيد بغيض فعلنا ، فكيف وقد سألته لحبيب قريب! ) . فرجع الى الرسول الاعظم فقال له : ( هذا رزق وقد ساقه الله إليك ) .
فخرج صلى الله عليه وآله وسلم مع ميسرة بعد أن أوصاه أعمامه به وباعوا تجارتهم وربحوا أضعاف ما كانوا يربحون وعادوا فسرت خديجة بذلك ووقعت في نفسها محبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحدثت نفسها بالتزوج به . وكان قد خطبها أشراف قريش فردتهم ، فتحدثت بذلك إلى أختها أو صديقة لها اسمها نفيسة بنت منية ، فذهبت إليه وقالت : ( ما يمنعك أن تتزوج؟ ) قال : ( ما بيدي ما أتزوج به ) قالت : ( فإن كفيت ذلك ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة الا تجيب؟ ) قال : ( فمن هي؟ ) قالت : ( خديجة ) قال : ( كيف لي بذلك؟ ) قالت : (عليّ ذلك ) . فأجابها بالقبول وخطبها إلى عمها وحضر مع أعمامه فزوجها به عمها لأن أباها كان قد مات وأصدقها عشرين بكرة وانتقل إلى دارها وكان ذلك بعد قدومه من الشام بشهرين وأيام . وكان من حبها للرسول الكريم أن أعطته مفاتيح خزائن أموالها ، وكانت من أغنى التجار يومها ، وقيل أن الجمال التي كانت تحمل أموال خديجة قد بلغت المائة ألف جمل . وكانت امرأة حازمة جلدة شريفة آمنت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أول بعثته وأعانته بأموالها على تبليغ رسالته وخففت من تألمه لخلاف قومه .
*
وجاء أنه إنما قام الإسلام بأموال خديجة وسيف علي بن أبي طالب ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرى لها المكانة العظمى في حياتها وبعد وفاتها التي كان لا يراها لواحدة من أزواجه .
*
وحينما كان الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم في غار حراء ، يتأمل الكون ويسبح بديع السماوات والارض ، نزل عليه جبرئيل عليه السلام بأمر من الله تعالى إليه ، وأخرج قطعة ديباج فيها خط فقال : ( اقرأ ) فقال : ( كيف أقرء ولست بقارئ؟ ) إلى ثلاث مرات ، فقال في المرة الرابعة : { اقرأ باسم ربك } إلى قوله : { علم الانسان ما لم يعلم } ثم أنزل الله تعالى جبرئيل وميكائيل عليهما السلام ومع كل واحد منهما سبعون ألف ملك ، وأتي بالكرسي ووضع تاجا على رأس محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأعطى لواء الحمد بيده فقال : ( اصعد عليه واحمد الله ) فلما نزل عن الكرسي توجه إلى خديجة فكان كل شئ يسجد له ويقول بلسان فصيح : ( السلام عليك يا نبي الله ) فلما دخل الدار صارت الدار منورة ، فقالت خديجة : ( وما هذا النور؟ ) قال : ( هذا نور النبوة ، قولي: لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ) فقالت : ( طالما قد عرفت ذلك ) ثم أسلمت ، فقال : ( يا خديجة إني لأجد برداً ) فدثرت عليه فنام فنودي : { يا أيها المدثر } فقام وجعل إصبعه في اذنه وقال : ( الله أكبر ، الله أكبر ) فكان كل موجود يسمعه يوافقه .
*
وكان كفيله عمه أبو طالب ، يرعاه ويحميه من شر الناس وأذيتهم له ، وقد آمن به هو وزوجته فاطمة بنت أسد بعد ابنهما علي بن أبي طالب ، فقد أسلم أبا الحسن وهو ابن العشرة سنين . وكان يحب فاطمة بنت أسد وكان يحسبها بمكانة الأم ، ولما توفيت انفجع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لوفاتها . فقد أقبل علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم باكياً وهو يقول : ( إنّا لله وإنّا إليه راجعون ) . فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( مه يا علي ) فقال علي : ( يا رسول الله ماتت اُمّي فاطمة بنت أسد ) فبكى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم قال : ( رحم الله اُمّك يا علي ، أما إنّها كانت لك اُمّاً فقد كانت لي اُمّاً ، خذ عمامتي هذه وخذ ثوبي هذين فكفّنها فيهما ومر النساء فليحسن غسلها ولا تخرجها حتى أجيء فإليّ أمرها ) .
*
وأقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ساعة واُخرجت فاطمة اُمّ علي فصلّى عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة لم يصلّ على أحد قبلها مثل تلك الصلاة ، ثم كبّر عليها أربعين تكبيرة ، ثم دخل إلى القبر فتمدّد فيه ، فلم يسمع له أنين ولا حركة .
*
ثم قال : ( يا علي اُدخل ، يا حسن اُدخل ) فدخلا القبر ، فلمّا فرغ ممّا احتاج إليه قال له : ( يا علي اُخرج يا حسن اُخرج ) فخرجا ، ثم زحف النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى صار عند رأسها ثم قال : ( يا فاطمة أنا محمد سيد ولد آدم ولا فخر فإن أتاك منكر ونكير فسألاك من ربّك فقولي الله ربّي ومحمد نبيي والإسلام ديني والقرآن كتابي وابني إمامي ووليي ) ثم دعى وقال : ( اللهم ثبّت فاطمة بالقول الثابت ) .
ثم خرج من قبرها وحثا عليها حثيّات ، ثم ضرب بيده اليمنى على اليسرى فنفضهما ثم قال : ( والذي نفس محمد بيده لقد سمعت فاطمة تصفيق يميني على شمالي ) فقام إليه عمّار بن ياسر فقال : ( فداك أبي واُمّي يا رسول الله لقد صلّيت عليها صلاة لم تصلّ على أحد قبلها مثل تلك الصلاة )
فقال : ( يا أبا اليقظان وأهل ذلك هي منّي . لقد كان لها من أبي طالب عليه السلام ولد كثير ولقد كان خيرهم كثيراً وكان خيرنا قليلاً فكانت تشبعني وتجيعهم ، وتكسوني وتعريهم ، وتدهنني وتشعثهم )
قال : ( فلِمَ كبّرت عليها أربعين تكبيرة يا رسول الله؟ )
*
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( نعم يا عمّار التفت عن يميني فنظرت إلى أربعين صفّاً من الملائكة فكبّرت لكل صف تكبيرة )
*
قال : ( فتمدّدك في القبر ولم يسمع لك أنين ولا حركة؟ )
فأجاب : ( إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة ولم أزل أطلب إلى ربّي عزّوجلّ أن يبعثها ستيرة ، والذي نفس محمد بيده ما خرجت من قبرها حتى رأيت مصباحين من نور عند رأسها ومصباحين من نور عند يديها ومصباحين من نور عند رجليها وملكيها الموكّلين بقبرها يستغفران لها إلى أن تقوم الساعة )
*
وكان لفقدها أثر عظيم على قلبه صلى الله عليه وآله وسلم ، وأعظم من الحزن لفقدها ، حزنه عندما فقد عمه حمزة وزوجته خديجة في نفس السنة فأسماه بعام الحزن .
*
وقد بشر كل الرسل بخاتم الأنبياء محمد كما قالت الآية الشريفة : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }
*
ومن أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، والصدقة الخفية تطفئ غضب الله ، وصلة الرحم زيادة في العمر ، وكل معروف صدقة ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة ، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف )
*
وقد أثر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كثير من الخطب والرسائل والحكم منها : ( كفى بالموت واعظاً وكفى بالتقى غنى ، وكفى بالعبادة شغلاً وكفى بالقيامة موئلا وبالله مجازياً )
*
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( أوصاني ربي بتسع ، بالإخلاص بالسرِّ والعلانية ، والعدل في الرضا والغضب ، والقصد في الفقر والغنى ، وأن أعفو عمن ظلمني وأعطي من حرمني ، وأصل من قطعني ، وأن يكون صمتي فكراً ومنطقي ذكراً ، ونظري عبراً )
*
وقال أيضا : ( ارحموا عزيزاً ذلّ ، وغنياً افتقر ، وعالماً ضاع في زمان جهّال )
*
ومن نصائحه لأبا ذر الغفاري :
( يا أباذر : اخفض صوتك عند الجنائز وعند القتال وعند القرآن )
*
( يا أباذر : إذا تبعت جنازة فليكن عقلك فيها مشغولا بالتفكر والخشوع واعلم أنك لاحق به )
*
( يا أباذر : الحق ثقيل مر والباطل خفيف حلو . ورب شهوة ساعة توجب حزنا طويلا )
*
( يا أباذر : الجليس الصالح خير من الوحدة ، والوحدة خير من جليس السوء . وإملاء الخير خير من السكوت ، والسكوت خير من إملاء الشر )
*
[ بـعـث الإلـهُ مـحـمـداً بـالـنـبـوة أمـا الـخـلافـة نـصَّ عـنـهـا فـي عـلـي ]
*
وقد بين صلى الله عليه وآله وسلم مكانة علي بن أبي طالب منه ، حيث آخى بينه وبين الامام علي ، وقال في حقه : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى ) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم :
*
( إن الله تبارك وتعالى خلقني وعلياً من نور واحد قبل أن يخلق الخلق بخمسمائة ألف عام ، فكنّا نسبّح الله ونقدّسه ، فلمّا خلق الله تعالى آدم عليه السلام قذف بنا في صلبه واستقررت أنا في جنبه الأيمن وعلي في الأيسر ، ثم نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الطيّبة ، فلم نزل كذلك حتّى أطلعني الله تبارك وتعالى من ظهر طاهر وهو عبد الله بن عبد المطّلب فاستودعني خير رحم وهي آمنة ، ثمّ أطلع الله تبارك وتعالى علياً من ظهر طاهر وهو أبو طالب واستودعه خير رحم وهي فاطمة بنت أسد )
*
وقد زوجه من ابنته الطيبة الطاهرة فاطمة البتول ، وأنجب منها خير شباب أهل الأرض جميعاً وهما الحسن والحسين ، فلذتا كبد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
*
وكان من عظم منزلة أهل بيته لديه أن اختارهم حينما أراد أن يقابل نصارى أهل نجران .
وقد كتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتابا إلى أبي حارثة أسقف نَجران دعا فيه أهالي نَجران إلى الإسلام ، فتشاور أبو حارثة مع جماعة من قومه فآل الأمر إلى إرسال وفد مؤلف من ستين رجلا من كبار نجران وعلمائهم لمقابلة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والاحتجاج و التفاوض معه ، وما أن وصل الوفد إلى المدينة حتى جرى بين النبي وبينهم نقاش وحوار طويل لم يؤد إلى نتيجة ، عندها اقترح عليهم النبي المباهلة ، بأمر من الله ، فقبلوا ذلك وحددوا لذلك يوما ، وهو اليوم الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة سنة : 10 هجرية .
*
لكن في اليوم الموعود عندما شاهد وفد نصارى نجران يقدمهم أسقفهم أبو الحارثة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد اصطحب أعز الخلق إليه وهم علي بن أبي طالب وابنته فاطمة والحسن والحسين ، وقد جثا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على ركبتيه استعدادا للمباهلة ، انبهر الوفد بمعنويات الرسول وأهل بيته وبما حباهم الله تعالى من جلاله وعظمته ، فقال الأسقف : ( إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا لأزاله بها ، فلا تباهلوا ، فلا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة ) فقالوا : ( يا أبا القاسم إنا لا نُباهِلَك ولكن نصالحك ) فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن يؤدوا إليه في كل عام ألفي حُلّة ، ألف في صفر وألف في رجب ، وعلى عارية ثلاثين درعا وعارية ثلاثين فرسا وثلاثين رمحا . وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلّى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولأضطرم عليهم الوادي نارا ، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا ) .
*
وأنزل الله تبارك وتعالى آية المباهلة في حق الرسول وأهل بيته : { فَمَن حاجَّكَ فيهِ مِن بَعْدِ ما جاءَكَ مِن العِلمِ فَقُل تعالوا نَدْعُ أبْناءَنا وأبْنَاءَكُم ونِساءَنا ونِساءَكُم وأنْفُسِنا وأنْفُسِكُم ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَل لَعْنَةُ اللهِ على الكاذِبين }
*
وقد قرن الله تعالى نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفس الأمير علي عليه السلام ، وأبناءهم هم الحسن والحسين عليهما السلام ونساؤهم هي فاطمة سيدة نساء العالمين عليها السلام .
*
قال الله عز وجل : { إنَّ اللهَ ومَلائِكَتَهُ يُصّلُّونَ على النَّبي يا أيُّها الذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّموا تَسْليما } قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه : ( لا تصلوا علي الصلاة البتراء )
قيل : ( ما البتراء يا رسول الله؟ )
قال : ( أن تصلوا علي ولا تذكروا آلي )
*
ومن مواعظه صلى الله عليه وآله وسلم :
*
( نصر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها فكم من حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاثة لا يغل عليها قلب عبد مسلم ، إخلاص العمل لله والنصيحة لائمة المسلمين واللزوم لجماعتهم ، فان دعوتهم محيطه من ورائهم ، المسلمون اخوة تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم )
*
ومن خطبة له صلى الله عليه وآله وسلم يذكر فيها شهر رمضان :
*
( أيها الناس قد أقبل إليكم شهر رمضان بالبركة والرحمة والمغفرة . شهره أبرك الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات وقد دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه مناهل كرامته أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب ، فاسألوا ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه ، فالشقي من حرم غفران الله فيه ، فاذكروا بجوعكم وعطشكم ، جوع يوم القيامة وعطشه ، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقروا كباركم وارحموا صغاركم وصلوا أرحامكم وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم ، وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم ، وتحننوا على أيتام الناس يتحنن الله على أيتامكم ، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم ، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم ، فإنها افضل الساعات ، ينظر الله عباده فيها بالرحمة ، ويجيبهم إذا ناجوه ، ويلبيهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه . أيها الناس من حسن في هذا الشهر خلقه ، كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ومن خفف فيه عما ملكت يمينه ، خفف الله حسابه ، ومن كف فيه شره ، كف الله عنه غضبه يوم يلقاه ، ومن وصل فيه رحمه ، وصله الله برحمته يوم يلقاه ، ومن تطوع فيه بصلاة ، كتب له براءة من النار ، ومن أدى فيه فرضا ، كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور ، ومن كثر فيه من الصلاة ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين ، ومن تلا فيه آية من القرآن ، كان له اجر من ختم القرآن في غيره ، ألا إن أبواب الجنة مفتحة فيه أسالوا ربكم أن لا يغلقها عنكم وأبواب النار مغلقة فأسالوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فأسالوا ربكم أن لا يسلطها عليكم )
*

[ تـالله رزء مـحـمـدٍ أوهـى الـقـوى وطـوى الـضـلـوع ومـضَّ فـي الأحـشـاء
الـيـوم قـد فـقـدت أبـاهـا فـاطـمٌ فـقـدت أبـاهـا أرأف الآبـاء ]
*
لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرض ونُعيت إليه نفسه بكى بكاء شديداً ، فقيل له : ( يا رسول الله أوتبكي من الموت وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ ) فقال : ( أين هول المطَّلع ، وأين ضيق القبر وظلمة اللحد ، وأين القيامة والأهوال )
ولما كان قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أيام هبط عليه جبرائيل عليه السلام ، فقال : ( يا أحمد إن الله أرسلني إليك إكراما وتفضيلا لك وخاصة يسألك عما هو أعلم به منك ، يقول : كيف تجدك يا محمد ) قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( أجدني يا جبرائيل مغموما ، وأجدني يا جبرائيل مكروبا )
*
فلما كان اليوم الثالث هبط جبرائيل وملك الموت ومعهما ملك يقال له إسماعيل في الهواء على سبعين ألف ملك فسبقهم جبرائيل ، فقال : ( يا أحمد إن الله عزوجل أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا لك وخاصة يسألك عما هو أعلم به منك ، فقال : كيف تجدك يا محمد ) قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( أجدني يا جبرائيل مغموما وأجدني يا جبرائيل مكروبا )
وأغمي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه ، فدق بابه ، فقالت فاطمة عليها السلام : ( من ذا؟ ) قال : ( أنا رجل غريب أتيت أسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتأذنون لي في الدخول عليه؟ ) فأجابت : ( إمض رحمك الله فرسول الله عنك مشغول ) .
فمضى ثم رجع ، فدق الباب ، وقال : ( غريب يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتأذنون للغرباء؟ ) فأفاق رسول الله صلى الله عليه وآله من غشيته وقال : ( يا فاطمة أتدر ين من هذا ؟ ) قالت : ( لا يا رسول الله ) ، قال : ( هذا مفرق الجماعات ، ومنغص اللذات ، هذا ملك الموت ، ما استأذن والله على أحد قبلي ، ولا يستأذن على أحد بعدي ، استأذن علي لكرامتي على الله ائذني له ) فأذنت له بالدخول فدخل كريح هفافة وقال : ( السلام على أهل بيت رسول الله )
*
وكان فاطمة الزهراء تبكي لمرض أبيها وعلمها بقرب المنية منه ، فقال لها : ( أدني مني يا فاطمة ) فأكبت عليه فناجاها ، فرفعت رأسها وعيناها تهملان دموعاً فقال لها : ( أدني مني ) فدنت منه فأكبت عليه فناجاها فرفعت رأسها وهي تضحك ، فتعجب من حولها لما رأوه فسألوها فأخبرتهم : ( لقد نعى نفسه فبكيت فقال يا بنية لا تجزعي فإني سألت ربي أن يجعلك أول أهل بيتي لحاقاً بي فأخبرني أنه استجاب لي فضحكت ) . ثم دعا النبي صلّى الله عليه وآله وسلم الحسن والحسين عليهما السلام فقبلهما وشمهما وجعل يترشفهما وعيناه تهملان.
*
فاستأذن ملك الموت ، فقال جبرائيل : ( يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك ، لم يستأذن على أحد قبلك ولا يستأذن على أحد بعدك ) قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( ائذن له ) فأذن له جبرائيل ، فأقبل حتى وقف بين يديه ، فقال : ( يا أحمد إن الله تعالى أرسلني إليك وأمرني أن اطيعك فيما تأمرني ، إن أمرتني بقبض نفسك قبضتها وان كرهت تركتها ) فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( أتفعل ذلك يا ملك الموت؟ ) فقال : ( نعم بذلك امرت أن أطيعك فيما تأمرني ) فقال له جبرائيل : ( يا أحمد إن الله تبارك وتعالى قد اشتاق إلى لقائك ) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( يا ملك الموت إمض لما امرت به )
*
وإنه لما دنت الوفاة منه صلى الله عليه وآله وسلم قالت فاطمة الزهراء مخاطبة أباها : ( يا أبتاه ألا تكلمني كلمة فإني أنظر إليك وأراك مفارق الدنيا وأرى عساكر الموت تغشاك شديداً ) ففتح عينيه وقال : ( بنية نعم وإني مفارقك فسلام عليك مني ) وفي ذلك اليوم التفت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام ويد فاطمة بيده فوضعها في يد علي وقال :
( يا أبا الحسن هذه وديعة الله ورسوله محمد عندك فاحفظ الله واحفظني فيها وإنك لفاعله ، يا علي هذه والله سيدة النساء من الأولين والآخرين ، هذه والله مريم الكبرى أما والله ما بلغت نفسي هذا الموضع حتى سألت الله لها ولكم فأعطاني فيما سألت واعلم يا علي إني راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة وكذلك ربي وملائكته ، يا علي ويل لمن ظلمها وويل لمن ابتزها حقها وويل لمن هتك حرمتها وويل لمن أحرق بابها وويل لمن آذى خليلها وويل لمن شاقها وبارزها وهم مني براء )
*
[ مـن ذا يـعـزي الـمـرتـضـى فـي الـمـصـطـفـى والأنـبـيـاء بـسـيد الأمـنـاء
مـن ذا يـعـزي الـمـجـتـبـى فـي جـده حـسـن الـزكـي وسـيـد الـشـهـداء ]
*

أتى أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى رسول الله وأخذ بقدميه وأخذ يقبلهما وبكي فغشي عليه ولما أفاق قال : ( من لي ولولدي بعدك يا رسول الله؟ ) فرفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأسه وقال : ( الله بعدي ووصيي صالح المؤمنين ) .
فجاء الحسن والحسين عليهما السلام ، يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول الله صلى الله عليه وآله فأراد علي عليه السلام أن ينحيهما عنه ، فأفاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال : ( يا علي دعني أشمهما ويشماني وأتزود منهما ويتزودان مني ، أما إنهما سيظلمان بعدي ويقتلان ظلما ، فلعنة الله على من يظلمهما ) وقبّل الحسن على فمه ، لأنه موضع السم ، وقبّل الحسين على نحره لأنه موضع السيف ، فاستذكر يوماً يكون فيه حفيده وحيداً فريداً ، يحوم حوله جماعة الشر ، قوم لا تنالهم شفاعته لا في دنيا ولا في آخرة ، فبكى وقال : ( مالي وليزيد! )
*
وكان أمير المؤمنين حاضرا عنده فلما قرب خروج نفسه قال له : ( يا علي ضع رأسي في حجرك ، فقد جاء أمر الله فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك ثم وجهني إلى القبلة وتولّ أمري وصلِّ عليَّ أول الناس ولا تفارقني حتى تواريني في لحدي ) فأخذ عليّ رأسه ووضعه في حجره فأغمي عليه صلى الله عليه وآله وسلم فانكبت فاطمة عليها السلام تنظر في وجهه وتقول :
*
وأبـيـض يُـسـتـسـقـى الـغـمـام بـوجـهـه ثـمـال الـيـتـامـى عـصـمـة الأرامـل
*
ففتح رسول الله عينيه وقال بصوت ضئيل : ( يا بنية هذا قول عمك أبي طالب لا تقوليه ولكن قولي : { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل إفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } ) ، فبكت طويلا .

ثم جلس جبرئيل عن يمين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وميكائيل عن يساره ، وملك الموت بين يديه ، وجعل يقبض روحه ، فقال جبرئيل : ( يا ملك الموت احفظ وصية الله في روح محمد ) ثم مد النبي يده إلى علي وقال : ( ادن مني يا علي فقد جاء أمر ربي ) ثم جذب عليا تحت ثوبه وتحت فراشه ووضع فاه على فيه وجعل يناجيه مناجاة طويلة حتى فارقت روحه الشرية جسده، فانسل علي من تحت الفراش باكيا حزينا ويقول : ( عظم الله أجوركم في نبيكم ) فارتفعت الأصوات بالضجة والبكاء ، وضج أهل المدينة وجعلوا يحثون التراب على رؤوسهم وينادون : ( وا سيداه ، وا نبياه ، وا محمداه ، وا أبا القاسماه )
*
[ ولـفـقـده جـبـريـل نـادى فـي الـسـمـا صـوتـا وجـبـريـلٌ بـه مـثـكـول
يـا خـاتـم الـرسـل الـكـرام ومـن إلى هـدي الأنـام مـن الإلـه رسـول ]
إن الـبـسـيـطـة أظـلـمـت أرجـائـهـا مـن بـعـد شـخـصـك فـالـخـصـيـب مـحـيـل
*
وكانت وفاته صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر أي في اليوم الثامن والعشرين من صفر ، وكان عمره ثلاث وستون سنة ، قال علي عليه السلام : ( أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يغسله أحد غيري ، فكان الفضل وأسامة ، يناولانني الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين ) فلما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده لم يشركه معه أحد في الصلاة عليه . ولما واراه في ملحودة قبره وأهل التراب عليه جلس يبكي على قبره وأنشأ يقول :
*
الـمـوت لا والـداً يـبـقـي ولا ولـداً هـذا الـسـبـيـل الـى أن لا تـرى أحـدا
هـذا الـنـبـي ولـم يـخـلـد لأمـتـه لـو خـلـد الله خـلـقـاً قـبـلـه خـلـدا
لـلـمـوت فـيـنـا سـهـام غـيـرُ خـاطـئـة مـن فـاتـه الـيـومَ سـهـمٌ لـم يـفــتـه غـدا
*
وأتت الزهراء فانكبت على قبر أبيها تحثو التراب على وجهها تندبه وتبكي رحيله وتصيح من قلبها المملوء بالاسى والحزن :
*
مـاذا عَـلَـى مـن شـمِّ تُـرْبَـةَ اَحْـمَـد اَنْ لا يَـشَـمَّ مـدا الـزَّمـانِ غَـوالِـيـا
صُـبَّـتْ عَـلـىَّ مَـصـآئِـبٌ لَـوْ اَنَّـهـا صُـبَّـتْ عَـلَـى الاَيّـامِ صِـرْنَ لَـيـالِـيـا
قُـلْ لِـلْـمُـغـيَّـبِ تَـحْـتَ أطـبـاق الـثَّـرى اِنْ كُـنْـتَ تَـسْـمَـعُ صَـرْخَـتـى وَنِـدائـيـا
صُـبَّـتْ عَـلـىَّ مَـصـآئِـبُ لَـوْ اَنَّـهـا صُـبَّـتْ عَـلَـى الاَيّـامِ صِـرْنَ لَـيـالِـيـا
قَـدْ كُـنْـتُ ذاتَ حِـمـىً بِـظِـلِّ مُـحَـمَّـد لا اَخْـشَ مِـنْ ضَـيْـم وَكـانَ حِـمـالِـيـا
فَـالـيـوْمَ اَخْـضَـع لِـذَّلـيـلِ وَاَتَّـقـي ضَـيْـمـي وَاَدْفَـعُ ظـالِـمـي بِـرِدائـيـا
فَـاِذا بَـكَـتْ قُـمْـرِيَّـةٌ فـي لَـيْـلـِهـا شَـجــنـاً عَـلـى غُـصْـن بَـكَـيْـتُ صَـبـاحِـيـا
فَـلاَجْـعَـلَـنَّ الـحُـزْنَ بـَعْـدَكَ مُـونِـسـي وَلاَجْـعَـلَـنَّ الـدَّمْـعَ فـيـكَ وِشـاحــيـا
*
وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه وأين يدفن فخرج إليهم أمير المومنين عليه السلام وقال لهم : ( أن رسول الله إمامنا حيا وميتا فليدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير إمام وينصرفون ، وان الله لم يقبض نبيا في مكان إلا وقد ارتضاه لرمسه فيه ، وإني لدافنه في حجرته التي قبض فيها ) فسلم القوم لذلك ورضوا به .
*
ومثلما تزلزت السماوات لمولده ، وارتجت السماوات السبع فرحاً ، وابتهجت الدنيا سروراً لاستقباله ، حزنت الدنيا حزناً شديداً على فراقها لروحه الطاهرة . واتشحت المدينة بالسواد ، وأعلنت السماوات والأرض الحداد وأقامت العزاء لوفاة الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم .
ومن حكمه المنيرة للدروب :
*
( رضى الرب في رضى الوالدين وسخط الرب في سخط الوالدين )

( الرحم معلقة بالعرش تقول اللهم صِلْ من وصلني واقطع من قطعني )

( التاجر الأمين الصدوق مع الشهداء يوم القيامة )
( إتقوا الله في الضعيفين ، المرأة الأرملة والصبي اليتيم )

( إتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا ، فإنها ليس دونها حجاب )
( من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله )
( من لا يَرْحم لا يُرْحَمْ )

*
سـلامٌ عـلى خـاتـم الأنـبـيـاء ، سـلامٌ عـلـى سـيـد الأوصـيـاء ، سـلامٌ عـلـى قـمـة الـعـلـيـاء ، سـلامٌ عـلـى مـن روحـي لـه الـفـداء ، سـلامٌ عـلـى مـن خُـلِـقَ قـبـل الـمـيـزان والانـشـاء ، سـلامٌ عـلـى خـيـر الـورى ، سـلامٌ عـلـى كـاسـفِ شـمـسِ كـسـرى ، سـلامٌ عـلـى مـن بـضـعـتـهِ الـزهـراء والـريـحـانـتـيـن مـن صـلـبـه الأنـقـى ، ووصـيـه الـكـرار عـلـي الـمـرتـضـى ، سـلامٌ عـلـى مـن اتُـهِـم بـالـهـجـرِ زورا ، سـلامٌ عـلـى مـن لا يـنـطـقُ عـن الـهـوى إن هـو الا وحـيٌ يـوحـى . يـا قـلـبـي ضـجَّ بـالـنـحـيـبِ والـبـكـاء ، ويـا روحـي الـتــحـفـي ظـلـمـةَ الـسـمـاء ، قـد غـاب الـيـوم نـور اللهِ عـن الأرجـاء ، الـيـوم قـتـلـوا الـحـبـيـب شـفـيـعـنـا يـوم الـمـحـشـر ، الـيـوم هـشـمـوا ضـلـع بـضـعـتـه الـكـوثـر ، الـيـوم قـطــعـوا كـبـده الـطـهـرالـمـطـهـر ، الـيـوم نـحـروا الآيـات والـسـور ، الـيـوم مـلـجـم قـتـل الـلـيـث الـقـسـور ، الـيـوم الـكـونُ ظـلام والاشـراقُ يُـحـتـضَـر ، والاسـلام ضـاع والـنـاسُ بـالـفــسـوق تـجـهـر ، لـيـتـنـي ضـجـيـعُ قـبـرك الـروض الأزهـر ، أتـنـفـسُ عـطـرك وأرتـوي مـن وردِكَ الأوفـر .