الأربعاء، يناير 12، 2011

أشـعـة مـن حـيـاة ǁ الـمـجـتـبـى ǁ


*
[ بـأبـي شـبـيـه بـالـنـبـي لا شـبـيـه بـعـلـي ]
*
كان أشبه الناس بجده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، جمع الخصائل والاخلاق المحمدية فصار منبعاً لها . فقد قال عنه صلى الله عليه وآله وسلم : ( أشبهت خَلقي وخُلقي ) . وكان من شدة جماله وكماله أنه اذا جلس على باب داره ومر عليه المارة وقفوا مذهولين مدهوشين بذاك الجمال المحمدي حتى يزدحم المكان وينتبه وارث جمال جده إليهم فيقوم ويدخل داره ، فينتشر الناس .
كان أول ابن لعلي والزهراء ، وأول سبط من الأسباط ، سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحسن بأمر من الله عز وجل .
عاش هو وأخيه الحسين تحت ظل جدهما رسول الله يرتويان من فيض علومه ، فبيتهم هو مهبط الوحي ومزار مختلف الملائكة ، تلقى أفضل التربية على يد جدهما العظيم وأبيهما علي وأمهم الزهراء عليهم السلام . فتخرجا من هذه المدرسة العظيمة وكانا قرآناً يسير على وجه البسيطة ، وسيدا شباب أهل الجنة .
*
وأحبه المصطفى حباً شديداً ، فكان يكثر من تقبيله وحمله حتى على المنبر حينما كان يخطب في الناس . و خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً لصلاة العشاء وهو حامل حسناً عليه السلام . فتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للصلاة ، فوضعه ثم كَبَّر وصلى ، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة فأطالها ، فأتى الحسن وصعد على ظهره وهو ساجد . فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاته ، قال الناس : ( يا رسول الله إنَّك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتَها ، حتى ظنَنَّا أنه قد حدث أمر وأنه يُوحَى إليك ) . فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( كل ذلك لم يكن ، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أُعجله حتى ينزل ) .
*
وكان الامام المجتبى ، ربيب بيت الوحي والهدى ، قريباً من الله ، زاهداً عابداً . فقد كان اذا توضأ يصفر وجهه وترتعد أطرافه ، فإذا سئل عن السبب أجاب : ( حق على كل من وقف بين يدي رب العرش ان يصفر لونه وترتعد مفاصله )
*
وكان عليه السلام اذا بلغ باب المسجد يرفع رأسه ويقول : ( الهي ضيفك ببابك ، يا محسن قد أتاك المسيء فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم )
وعن الامام الصادق عليه السلام أنه قال : ( ان الحسن بن علي كان اعبد الناس في زمانه وازهدهم وافضلهم )
*
وكان الامام من علمه وفضله الزاخر ، ومعرفته وكمال عقله ، أن الناس يقصدون إليه يسألونه في مسائل الدنيا والآخرة ، وكانوا لا يرجعون من عنده خائبين ، فكان يغدق عليهم بالشرح والاجابه حتى يكتفوا .
فقد سأله الحسن البصري عن القضاء والقدر فأجاب سلام الله عليه :
*
( أما بعد فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره ، أن الله يعلمه فقد كفر ، ومن أحال المعاصي على الله فقد فجر ، إن الله لم يطع مكرهاً ، ولم يعص مغلوباً ، ولم يهمل العباد سدىً من المملكة ، بل هو المالك لما ملّكهم ، والقادر على ما عليه أقدرهم ، بل أمرهم تخييراً ونهاهم تحذيراً ، فإن ائتمروا بالطاعة لم يجدوا عنها صاداً ، وان انتهوا الى معصية فشاء أن يمن عليهم ، بأن يحول بينهم وبينها فعل ، وإن لم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها جبراً ولا ألزموها كرهاً ، بل منّ عليهم بأن بصرهم وعرفهم ، وحذرهم ، وأمرهم ونهاهم ، لا جبراً لهم على ما أمرهم به ، فيكونوا كالملائكة ، ولا جبراً لهم على ما نهاهم عنه ، ولله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين .. )
*
[ الـسـلام عـلـيـك أيـهـا الـسـيـد الـزكـي
الـسـلام عـلـيـك أيـهـا الـبـر الـتـقـي ]
*
وقد قيل له : ( ما الزهد؟ )
قال : ( الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا )
قيل : ( فما الحلم؟ )
قال : ( كظم الغيظ وملك النفس )
قيل : ( ما السداد؟ )
قال : ( دفع المنكر بالمعروف )
قيل : ( فما الشرف؟ )
قال : ( اصطناع العشيرة وحمل الجريرة )
قيل : ( فما النجدة؟ )
قال : ( الذب عن الجار ، والصبر في المواطن ، والاقدام عند الكريهة )
قيل : ( فما المجد؟ )
قال : ( أن تعطي في الغرم ، وأن تعفو عن الجرم )
قيل : ( فما المروءة؟ )
قال : ( حفظ الدين ، واعزاز النفس ، ولين الكنف ، وتعهد الصنيعة ، وأداء الحقوق ، والتحبب الى الناس .. )
*
وقد سئل عليه السلام : ( كم بين السماء والأرض؟ )
فأجاب : ( دعوة المظلوم )
*
وفي الجانب الآخر من أخلاق الامام عليه السلام ، تواضعه ويده الكريمة السخية ، فكان لا يرد سائلاً ولا يخيب محتاجاً . ولقبه الناس بكريم أهل البيت لشده جوده وعطائه .
فعن تواضعه ، أنه مر يوماً على جماعة من الفقراء وكانوا يأكلون كسيرات من الخبز ، فدعوه لمشاركتهم فيها ، فأجاب دعوتهم قائلاً : ( إن الله لا يحب المتكبرين )
ثم أغدق عليهم من عطائه وكرمه .
وعن حسن معاشرته للناس أنه كان جالساً في مكان وحين عزم على الانصراف دخل فقير الى المكان ، فحياه سبط الرسول ولاطفه ثم قال : ( إنك جلست على حين قيام منا ، أفتأذن لي بالانصراف؟ )
فأجاب : ( نعم يابن رسول الله )
*
[ الـسـلام عـلـيـك أيـهـا الـبـاهـر الـخـفـي
الـسـلام عـلـيـك أيـهـا الـطـاهـر الـزكـي ]
*
وكان الامام يحسن لمن أساء له ، ولا يضمر له في قلبه أي حقد أو ضغينة ، فقد مر عليه ذات يوم رجل شامي ، وكان ممن غذاهم معاوية بالحقد على آل الرسول ، فلما رأى الرجل الامام جعل يلعنه ، فأقبل اليه الامام الحسن وقال :
( يا شيخ أظنك غريباً ولعلك شبهت! فلو استعتبتنا أعتبناك ، ولو سألتنا أعطيناك ، ولو استرشدتنا أرشدناك ، ولو استحملتنا حملناك ، وإن كنت جائعاً أشبعناك ، وإن كنت عرياناً كسوناك ، وإن كنت محتاجاً أغنيناك ، وإن كنت طريداً آويناك ، وإن كان لك حاجة قضيناها لك ، فلو حركت رحلك إلينا وكنت ضيفاً الى وقت ارتحالك كان أعود عليك ، لأن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً )
*
فاستضافه الامام في بيته ، فلما أراد مغادرته ، قال له مودعاً ودموعه تفيض من عينيه : ( أشهد أنك خليفة الله في أرضه ، الله أعلم حيث يضع رسالته ، كنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي ، والآن أنت وأبوك أحب خلق الله إلي )
*
روي أنّه جاء أعرابي يوماً سائلاً الإمام عليه السلام ، فقال عليه السلام : ( أعطُوه ما في الخَزَانة ) ، فوجِد فيها عشرون ألف دينار ، فدفعها عليه السلام إلى الأعرابي ، فقال الأعرابي : ( يا مولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي ، وأنشر مِدحَتي ) .
فأنشأ الإمام عليه السلام يقول :
*
نَحنُ أُناسٌ نَوالُنا خضـل يرتع فيه الرجـاء والأمــل
تَجودُ قبل السؤال أنفسـنا خوفاً على ماء وجه مَن يَسَل
لو علم البحرُ فَضلَ نائلنا لغاصَ مِن بعد فيضِـهِ خَجَلُ
*
وعند ارتحال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى الرفيق الأعلى ، كان الحسن يبلغ من العمر ستة سنين ، وبعد رحيل جده رحلت أمه عن الدنيا بعد 75 يوماً من وفاة أبيها ، وكان وقع مصائبهما عليه شديداً وفراقهما أصعب . فقدان جده وفقدان أمه في وقت قصير . وهكذا فقد الحسن أنوار حياته وبهجتها ، وبقي له أبوه أمير المؤمنين . رأى ظلم الناس له وجورهم عليه ، فأصبح لأبيه ذراعه اليمنى وتعلم منه الشجاعة والفروسية ، فأضحى بطلاً فارساً في الحروب والمعارك مع أخيه الحسين عليهما السلام .
وتسلم الامامة بعد أبيه أمير المؤمنين عليه السلام . وفيه مدة امامته طالبه معاوية بن أبي سفيان بالحكم فقبل بها الامام ، لا لشي سوى لحفظ دماء المسلمين ، ولأن الجاه والسلطان كانا آخر همه عليه السلام ، فجل ما كان يريده هو نشر دين جده المصطفى ، والحفاظ على دماء المسلمين ووحدتهم وتماسكم .
وكانت مدة اقامته عليه السلام في الكوفة ، وبعد توثيق الوثيقة اشتاق سبط الرسول الى مدينة جده حيث مكان ولادتهم ومدفن جده وأمه ، فارتحل اليها هو وأهل بيته . وضج أهل الكوفة بالبكاء والنحيب لفراق امامهم ، فقد خلت الكوفة أولاً من أمير المؤمنين ، والآن تخلو من نور الحسن والحسين عليهما السلام .
*
[ يـا أنـت يـا كـبـداً تـفـرد بـالـسـمـوم
يـا أنـت يـا كـونـاً تـجـرحـه الـهـمـوم ]
*
طلب معاوية من ملك الروم سماً فتاكاً ، فلما أرسله أرسل معه كتاباً كتب فيه أن لا يستعمل هذا السم بسوء ، لأنه من شدته أنه يذيب حتى الصخر اذا وضع عليه هذا السم . وكان معاوية يخطط أن يدس هذا السم الى الامام الحسن عليه السلام عن طريق زوجته الخبيثة جعدة بنت الأشعث .
*
وفي يوم من الأيام كان الحسن عليه السلام صائماً وأراد أن يفطر فأتت زوجته اللعينة له بالطعام وهي تبتسم ، وقد علم سبط رسول الله ما قد نوت عليه زوجته ، وما أن أكل حتى أحس بالسم يفتت كبده الشريف فنادى بغلام له لينادي بأهل بيته ، فأتى إليه الحسين عليه السلام مسرعاً ووضع رأسه على حجره وهو يبكي لمنظر أخيه فقال : ( يا أخي ، إني سقيت السم ثلاث مرات ولم أسق مثل هذه المرة ، وإني لأضع كبدي ) فقال الحسين : ( من سقاك يا أخي؟ )
فقال : ( ما سؤالك عن هذا تريد أن تقتلهم؟ اكلهم إلى الله عز وجل )
وكان المجتبى قد طلب طشتاً ليفظ فيه قطع كبده الشريف .
*
نظر الحسن الى أخيه الحسين فرآه يبكي فسأله الامام : ( ما يبكيك يا أبا عبدالله؟ ) قال : ( أبكي لما يصنع بك )

فقال له الحسن عليه السلام : ( إن الذي يؤتى إليّ سمٌ يدسّ إليّ فأُقتل به ، و لكن لا يوم كيومك يا أبا عبدالله ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنهم من أٌمة جدّنا محمد صلى الله عليه و آله و ينتحلون دين الإسلام فيتجمعون على قتلك و سفك دمك و انتهاك حرمتك و سبي ذراريك و نسائك و انتهاب ثقلك ، فعندما تحلُّ ببني أُمية اللعنة و تمطر السماء رماداً و دما و يبكي عليك كلُّ شيء حتى الوحوش في الفلوات و الحيتان في البحار )
*
[ صـوت الـمـنـادي نـاعـيـاً أدمـى قـلـوب الـنـاس
هـذا فـراق الـمـجـتـبـى لـحـسـيـن والـعـبـاس ]
*
كانت شهادته عليه السلام في السابع من صفر لعام 50 للهجرة ، وكانت مدة امامته 10 سنين .
وقبل أن يلفظ المجتبى أنفاسه الأخيرة ، أوصى الامام الحسين بوصايا حيث قال : ( فإنّي أوصيك يا حسين بمن خلّفت من أهلي وولدي وأهل بيتك : أن تصفح عن سيئهم ، وتقبل من محسنهم ، وتكون لهم خلفاً ووالداً . وأن تدفنّي مع رسول الله فإنّي أحقّ به ، وببيته ممّن أدخل بيته بغير إذنه ، ولا كتاب جاءهم من بعده ، قال الله فيما أنزله على نبيّه في كتابه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لكم } ، فو الله ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه ، ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته ، ونحن مأذون لنا في التصرّف فيما ورثناه من بعده . فإن أبت عليك المرأة ، فأنشدك بالله وبالقرابة التي قرّب الله عزّ وجلّ منك ، والرحم الماسّة من رسول الله : أن لا تهريق فيّ محجمةٍ من دم ، حتّى نلقى رسول الله ، فنختصم إليه ، ونخبره بما كان من الناس إلينا من بعده )
*
ولأن الحسن عليه السلام يعلم أن القوم سيمنعوا بني هاشم من أن يدفنوه الى جنب جده ، أوصى أخاه أن يوجه جنازته الى رسول الله حتى يجدد به عهداً ، ثم يمر به من عند أمه الزهراء ، ثم يرده حتى يدفنه في البقيع الغرقد .
ثم جمع أهل بيته وعياله وأخبرهم أن الامامة من بعده تكون الى أخيه الحسين ، وهو الخليفة وحجة الله على الخلق ، وأوصاهم أن يسمعوا له ويطيعوه وأن يبلغ الحاضر منهم الغائب . وأوصى الحسين أن يتولى تغسيله وتكفينه ودفنه بعد موته ، وأن يحفظ نسائه وأولاده من بعد عينه ، ثم نعاه قائلاً :
*
( يا أخاه لا تحزن عليّ ، فإن مصابك أعظم من مصيبتي ورزءك أعظم من رزئي ، فإنّك تقتل ، يا أبا عبد الله ، بشطّ الفرات بأرض كربلا عطشاناً لهيفاً وحيداً فريداً مذبوحاً يعلو صدرك أشقى الأمّة ، ويحمحم فرسك ويقول في تحمحمه : الظليمة الظليمة من أمّةٍ قتلت ابن بنت نبيّها . وتسبى حريمك وييتّم أطفالك ، ويسيّرون حريمك على الأقتاب بغير وطاءٍ ولا فراش ، ويحمل رأسك يا أخي على رأس القنا ، بعد أن تقتل ويقتل أنصارك ، فيا ليتني كنت عندك أذبّ عنك كما يذبّ عنك أنصارك بقتل الأعداء ، ولكنّ هذا الأمر يكون وأنت وحيد لا ناصر لك منّا ، ولكن لكلّ أجلٍ كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب ، فعليك يا أخي بالصبر على البلاء حتّى تلحق بنا )
*
ونفذ الامام الحسين عليه السلام وصية أخيه الحسن ، وتولى مهمة تغسيل جسده الطاهر وتكفينه ، وسط بكاء ونياح أهل البيت ، وأنين زينب لفراق أخيها الأكبر . ثم حملوا الجنازة متوجهين بها الى حيث مدفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
*
[ حـذاري تـنـزعـي سـهـمـاً بـجـثـمـانـي
لـئـلا تـغـرق الـدنـيـا بـطـوفـان ]
*
كان يوم فقد المجتبى يوم عصيب على محبيه ، اتشحت المدينة بالسواد والدموع ، والكل يصفق يداً بيد أسفاً على رحيل كريم أهل البيت عليه السلام . ودنى بنو هاشم بالجنازة من قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فخرجوا عليه القوم ومنعوا الجنازة من الدخول ومن أن يدفن جسد الحسن بجنب جده ، طردوا وارث جده لا جدهم ، ملكوا مكانه واستحلوا ارثه ومنعوا أصحاب الحق من حقهم . وشكّل القوم سداً منيعاً للحيلولة دونهم ودون قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولما رأى بنو هاشم منهم ذلك ، وضعوا أيديهم على قوائم سيوفهم وجردوها من غمدها ، فمنعهم أبا عبدالله من ذلك ، وذكر لهم وصية أخيه الحسن بأن لا يراق في تشييعه ملء محجمة دم ، فمالوا بالجنازة نحو البقيع ، ولم يكتف القوم الظالمين بهذا ، ورموا نعش الامام الطاهر المظلوم بسبعين سهماً حتى أصابت جسده الشريف ، وبنو هاشم صابرين يحتسبون الأجر عند الله تعالى ، منتظرين اليوم الذي يحكم الله بينهم وبين ظالميهم بالعدل .
*
وازدحم الناس بالبقيع لدفن الامام ، حتى لم يبقى مجالاً يتسع لأحد ، والكل باكٍ حزين من رجل وامرأة ، وقبل أن يوارى جسد الامام الثرى دنى منه أخوه محمد بن الحنفية وقال :
*
( رحمك الله يا أبا محمد ، فوالله لئن عزّت حياتك لقد هدّت وفاتك ، ونعم الرّوح ، روح عمّر به بدنك ونعم البدن ، بدن ضمه كفنك ، لم لا يكون كذلك وأنت سليل الهدى ، وحلف أهل التقوى ، ورابع أصحاب الكساء ، غذتك كفّ الحق ، وربيت في حجر الإسلام ، وأرضعتك ثديا الإيمان ، فطب حيّاً وميتاً ، فعليك السلام ورحمة الله وإن كانت أنفسنا غير قالية لحياتك ولا شاكّة في الخيار لك )
*
وحينما وضع الحسين جسد أخيه الحسن في لحده أنشد قائلاً :
*
أأدهن رأسي أم تطيب محـاسني ورأسك معفـــــــور وأنت سليب
بكائي يطــــول والدموع غـزيرة وأنت بعـــــيد والمــــزار قريب
غريب وأطـراف البيوت تحوطه ألا كلّ مـــن تحت التراب غريب
فليس حريــــب من أصيب بماله ولكـــــنّ من وارى أخاه حريب
*
وغدا وجه الكمال تريب ، والأسى حول قبره يحوم ، غالوا تراب قبره وساووه بالأرض فاختفت معالمه ، ومنعوا محبوه من زيارته . فالأنفس تلتهب حسرة وحزناً وكمداً على مصيبة المقهور المظلوم .
*
[ قـبـرك يـا مـجـتـبـى يُـكـسـى سـواد الـعـبـا
والـنـجـم حـزنـاً خـبـا يـا مـن خـبـا مـثـوى ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق