الثلاثاء، فبراير 01، 2011

-: وإنك لعلى خلق عظيم :-

*
[ أمـا مـا تـرى الـزهـراء تـنـدب خـلـفـه ودمـوعـهـا ســيـل الـغـمـام تـسـيـل
وتَـحِـنُّ مـن قـلـبٍ مـلـيءٍ طـورا وطـورا تـنـثـنـي فـتـقـول
حـزنـي لـفـقـدك سـرمـدٌ لا تـنـقـضـي أيـامُـه حـتـى يـحـيـن رحـيـل ]
*
اسمه ونسبه : محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ، وينتهي نسبه الشريف الى النبي ابراهيم عليه السلام
أمه : آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب
توفيت أمه وعمره ست سنين ، أما أباه فقد توفي ولم يكن قد أشرق نور محمد على الدنيا بعد . وبعد وفاة أمه كفله جده عبدالمطلب ولما بلغ عمره ثمان سنين توفى جده فكفله عمه أبو طالب وأحسن كفالته ، وكان لا يفارقه ليلاً ولا نهاراً ، وصحبه في أسفاره إلى الشام للتجارة .
*
كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحكم الناس وأحلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم وأسخاهم ، لا يثبت عنده دينار ولا درهم ولا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من يسير ما يجد من التمر والشعير ، ويضع سائر ذلك في سبيل الله . وكان يقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ويأكلها ولا يأكل الصدقة ولا يثبت بصره في وجه أحد ، وكان يغضب لربه ولا يغضب لنفسه ، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع ، ويأكل ما حضر ولا يرد ما وجد ولا يلبس ثوبين بل يلبس بردا حبرة يمنية وشملة وجبة صوف والغليظ من القطن والكتان واكثر ثيابه البياض . وكان إذا لبس جديدا أعطى خلق ثيابه مسكينا ،وكان يلبس خاتم فضة في خنصره الأيمن ، ويشيع الجنائز ويعود المرضى في أقصى المدينة ، يجالس الفقراء ويؤاكل المساكين ويناولهم بيده ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم ويتألف أهل الشر بالبر لهم ، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم ، إلا بما أمر الله ولا يجفو على أحد ، وكان أكثر الناس تبسما ما لم ينزل عليه القرآن وربما ضحك من غير قهقهة لا يرتفع على عبيده وإمائه في مأكل ولا في ملبس ، ولا يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلا قام معه في حاجته ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يغفر ويصفح ، ويبدأ من لقيه بالسلام وإذا لقي مسلما بدأه بالمصافحة . وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته وأقبل عليه وقال ألك حاجة؟ وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة . وكان يمزح ولا يقول إلا حقا.
وامتاز النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة ، فقد كان بعيدا عن كل ما يشين سمعته سواء في أقواله أو أفعاله ، سواء قبل النبوة أو بعدها ، متواضعا عفيفا صادقا أمينا حتى لقبته قريش بالصادق الأمين . وكان صلى الله عليه وآله وسلم حليما كريما سخيا شجاعا أوفى العرب ذمة ، صبورا على المكاره والأذى في سبيل نشر دعوته . وكان لا
يغضب لنفسه ولا ينتقم لها ، سفيقا لأصحابه كثير التردد إليهم ، يقبل معذرة من اعتذر إليه ، يحب الفقراء والمساكين ويأكل معهم ، قليل الأكل ، يختار الجوع على الشبع مواساة للفقراء . وكان صلى الله عليه وآله وسلم يجلس على التراب ويرقع ثوبه ويخصف نعله بيده الكريمة ، وكان لا يجلس ولا يقوم إلا ذكر الله تعالى . وقد مدحه الله جل جلاله بقوله تعالى { وإنك لعلى خلق عظيم }
*
وحتى عندما خرج من الطائف وهو يدعو اهلها الى الإسلام ورموه بالحجارة واثخنوه بالجراح ، وخرج من بينهم حزينا كئبيا كان يشكو الى الله حزنه ويدعو لهم ولم يدع عليهم ، مع أن الامين جبرئيل قال له أنه ينتظر منه كلمة ليخسف بهم الجبال التي تحيط بهم ، مع هذا لم يدعو عليهم ولم يسلط عليهم العذاب ، بل دعى لهم ، وهذا نابع من خلقه الكريم . وأنا شخصياً لا أعتقد بأن سورة عبس التي تقول في مطلعها : { عَبَسَ وَتَوَلَّى ، أَن جَاءَهُ الأَعْمَى } قد نزلت بسبب عبوسه في وجه الأعمى ، فهذا الفعل لا يصدر من شخص مثالي كالرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، فالقرآن لا يناقض آياته ، فقد نزلت آية في سورة أخرى تقول : { ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك }
*
خرج صلى الله عليه وآله وسلم إلى الشام في تجارة لخديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة مع غلامها ميسرة ، وكانت خديجة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في تجارتها . ولما علم أبو طالب بأنها تهيئ تجارتها لإرسالها إلى الشام مع القافلة قال له : ( يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي وقد اشتد الزمان علينا وقد بلغني أن خديجة استأجرت فلانا ببكرين ولسنا نرضى لك بمثل ما أعطته فهل لك أن أكلمها؟ ) قال : ( ما أحببت ) . فذهب إليها وقال لها أبو طالب : (هل لك أن تستأجري محمدا؟ فقد بلغنا انك استأجرت فلانا ببكرين ولسنا نرضى لمحمد دون أربعة بكار ) فقالت : ( لو سألت ذلك لبعيد بغيض فعلنا ، فكيف وقد سألته لحبيب قريب! ) . فرجع الى الرسول الاعظم فقال له : ( هذا رزق وقد ساقه الله إليك ) .
فخرج صلى الله عليه وآله وسلم مع ميسرة بعد أن أوصاه أعمامه به وباعوا تجارتهم وربحوا أضعاف ما كانوا يربحون وعادوا فسرت خديجة بذلك ووقعت في نفسها محبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحدثت نفسها بالتزوج به . وكان قد خطبها أشراف قريش فردتهم ، فتحدثت بذلك إلى أختها أو صديقة لها اسمها نفيسة بنت منية ، فذهبت إليه وقالت : ( ما يمنعك أن تتزوج؟ ) قال : ( ما بيدي ما أتزوج به ) قالت : ( فإن كفيت ذلك ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة الا تجيب؟ ) قال : ( فمن هي؟ ) قالت : ( خديجة ) قال : ( كيف لي بذلك؟ ) قالت : (عليّ ذلك ) . فأجابها بالقبول وخطبها إلى عمها وحضر مع أعمامه فزوجها به عمها لأن أباها كان قد مات وأصدقها عشرين بكرة وانتقل إلى دارها وكان ذلك بعد قدومه من الشام بشهرين وأيام . وكان من حبها للرسول الكريم أن أعطته مفاتيح خزائن أموالها ، وكانت من أغنى التجار يومها ، وقيل أن الجمال التي كانت تحمل أموال خديجة قد بلغت المائة ألف جمل . وكانت امرأة حازمة جلدة شريفة آمنت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أول بعثته وأعانته بأموالها على تبليغ رسالته وخففت من تألمه لخلاف قومه .
*
وجاء أنه إنما قام الإسلام بأموال خديجة وسيف علي بن أبي طالب ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرى لها المكانة العظمى في حياتها وبعد وفاتها التي كان لا يراها لواحدة من أزواجه .
*
وحينما كان الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم في غار حراء ، يتأمل الكون ويسبح بديع السماوات والارض ، نزل عليه جبرئيل عليه السلام بأمر من الله تعالى إليه ، وأخرج قطعة ديباج فيها خط فقال : ( اقرأ ) فقال : ( كيف أقرء ولست بقارئ؟ ) إلى ثلاث مرات ، فقال في المرة الرابعة : { اقرأ باسم ربك } إلى قوله : { علم الانسان ما لم يعلم } ثم أنزل الله تعالى جبرئيل وميكائيل عليهما السلام ومع كل واحد منهما سبعون ألف ملك ، وأتي بالكرسي ووضع تاجا على رأس محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأعطى لواء الحمد بيده فقال : ( اصعد عليه واحمد الله ) فلما نزل عن الكرسي توجه إلى خديجة فكان كل شئ يسجد له ويقول بلسان فصيح : ( السلام عليك يا نبي الله ) فلما دخل الدار صارت الدار منورة ، فقالت خديجة : ( وما هذا النور؟ ) قال : ( هذا نور النبوة ، قولي: لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ) فقالت : ( طالما قد عرفت ذلك ) ثم أسلمت ، فقال : ( يا خديجة إني لأجد برداً ) فدثرت عليه فنام فنودي : { يا أيها المدثر } فقام وجعل إصبعه في اذنه وقال : ( الله أكبر ، الله أكبر ) فكان كل موجود يسمعه يوافقه .
*
وكان كفيله عمه أبو طالب ، يرعاه ويحميه من شر الناس وأذيتهم له ، وقد آمن به هو وزوجته فاطمة بنت أسد بعد ابنهما علي بن أبي طالب ، فقد أسلم أبا الحسن وهو ابن العشرة سنين . وكان يحب فاطمة بنت أسد وكان يحسبها بمكانة الأم ، ولما توفيت انفجع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لوفاتها . فقد أقبل علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم باكياً وهو يقول : ( إنّا لله وإنّا إليه راجعون ) . فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( مه يا علي ) فقال علي : ( يا رسول الله ماتت اُمّي فاطمة بنت أسد ) فبكى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم قال : ( رحم الله اُمّك يا علي ، أما إنّها كانت لك اُمّاً فقد كانت لي اُمّاً ، خذ عمامتي هذه وخذ ثوبي هذين فكفّنها فيهما ومر النساء فليحسن غسلها ولا تخرجها حتى أجيء فإليّ أمرها ) .
*
وأقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ساعة واُخرجت فاطمة اُمّ علي فصلّى عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة لم يصلّ على أحد قبلها مثل تلك الصلاة ، ثم كبّر عليها أربعين تكبيرة ، ثم دخل إلى القبر فتمدّد فيه ، فلم يسمع له أنين ولا حركة .
*
ثم قال : ( يا علي اُدخل ، يا حسن اُدخل ) فدخلا القبر ، فلمّا فرغ ممّا احتاج إليه قال له : ( يا علي اُخرج يا حسن اُخرج ) فخرجا ، ثم زحف النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى صار عند رأسها ثم قال : ( يا فاطمة أنا محمد سيد ولد آدم ولا فخر فإن أتاك منكر ونكير فسألاك من ربّك فقولي الله ربّي ومحمد نبيي والإسلام ديني والقرآن كتابي وابني إمامي ووليي ) ثم دعى وقال : ( اللهم ثبّت فاطمة بالقول الثابت ) .
ثم خرج من قبرها وحثا عليها حثيّات ، ثم ضرب بيده اليمنى على اليسرى فنفضهما ثم قال : ( والذي نفس محمد بيده لقد سمعت فاطمة تصفيق يميني على شمالي ) فقام إليه عمّار بن ياسر فقال : ( فداك أبي واُمّي يا رسول الله لقد صلّيت عليها صلاة لم تصلّ على أحد قبلها مثل تلك الصلاة )
فقال : ( يا أبا اليقظان وأهل ذلك هي منّي . لقد كان لها من أبي طالب عليه السلام ولد كثير ولقد كان خيرهم كثيراً وكان خيرنا قليلاً فكانت تشبعني وتجيعهم ، وتكسوني وتعريهم ، وتدهنني وتشعثهم )
قال : ( فلِمَ كبّرت عليها أربعين تكبيرة يا رسول الله؟ )
*
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( نعم يا عمّار التفت عن يميني فنظرت إلى أربعين صفّاً من الملائكة فكبّرت لكل صف تكبيرة )
*
قال : ( فتمدّدك في القبر ولم يسمع لك أنين ولا حركة؟ )
فأجاب : ( إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة ولم أزل أطلب إلى ربّي عزّوجلّ أن يبعثها ستيرة ، والذي نفس محمد بيده ما خرجت من قبرها حتى رأيت مصباحين من نور عند رأسها ومصباحين من نور عند يديها ومصباحين من نور عند رجليها وملكيها الموكّلين بقبرها يستغفران لها إلى أن تقوم الساعة )
*
وكان لفقدها أثر عظيم على قلبه صلى الله عليه وآله وسلم ، وأعظم من الحزن لفقدها ، حزنه عندما فقد عمه حمزة وزوجته خديجة في نفس السنة فأسماه بعام الحزن .
*
وقد بشر كل الرسل بخاتم الأنبياء محمد كما قالت الآية الشريفة : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }
*
ومن أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، والصدقة الخفية تطفئ غضب الله ، وصلة الرحم زيادة في العمر ، وكل معروف صدقة ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة ، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف )
*
وقد أثر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كثير من الخطب والرسائل والحكم منها : ( كفى بالموت واعظاً وكفى بالتقى غنى ، وكفى بالعبادة شغلاً وكفى بالقيامة موئلا وبالله مجازياً )
*
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( أوصاني ربي بتسع ، بالإخلاص بالسرِّ والعلانية ، والعدل في الرضا والغضب ، والقصد في الفقر والغنى ، وأن أعفو عمن ظلمني وأعطي من حرمني ، وأصل من قطعني ، وأن يكون صمتي فكراً ومنطقي ذكراً ، ونظري عبراً )
*
وقال أيضا : ( ارحموا عزيزاً ذلّ ، وغنياً افتقر ، وعالماً ضاع في زمان جهّال )
*
ومن نصائحه لأبا ذر الغفاري :
( يا أباذر : اخفض صوتك عند الجنائز وعند القتال وعند القرآن )
*
( يا أباذر : إذا تبعت جنازة فليكن عقلك فيها مشغولا بالتفكر والخشوع واعلم أنك لاحق به )
*
( يا أباذر : الحق ثقيل مر والباطل خفيف حلو . ورب شهوة ساعة توجب حزنا طويلا )
*
( يا أباذر : الجليس الصالح خير من الوحدة ، والوحدة خير من جليس السوء . وإملاء الخير خير من السكوت ، والسكوت خير من إملاء الشر )
*
[ بـعـث الإلـهُ مـحـمـداً بـالـنـبـوة أمـا الـخـلافـة نـصَّ عـنـهـا فـي عـلـي ]
*
وقد بين صلى الله عليه وآله وسلم مكانة علي بن أبي طالب منه ، حيث آخى بينه وبين الامام علي ، وقال في حقه : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى ) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم :
*
( إن الله تبارك وتعالى خلقني وعلياً من نور واحد قبل أن يخلق الخلق بخمسمائة ألف عام ، فكنّا نسبّح الله ونقدّسه ، فلمّا خلق الله تعالى آدم عليه السلام قذف بنا في صلبه واستقررت أنا في جنبه الأيمن وعلي في الأيسر ، ثم نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الطيّبة ، فلم نزل كذلك حتّى أطلعني الله تبارك وتعالى من ظهر طاهر وهو عبد الله بن عبد المطّلب فاستودعني خير رحم وهي آمنة ، ثمّ أطلع الله تبارك وتعالى علياً من ظهر طاهر وهو أبو طالب واستودعه خير رحم وهي فاطمة بنت أسد )
*
وقد زوجه من ابنته الطيبة الطاهرة فاطمة البتول ، وأنجب منها خير شباب أهل الأرض جميعاً وهما الحسن والحسين ، فلذتا كبد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
*
وكان من عظم منزلة أهل بيته لديه أن اختارهم حينما أراد أن يقابل نصارى أهل نجران .
وقد كتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتابا إلى أبي حارثة أسقف نَجران دعا فيه أهالي نَجران إلى الإسلام ، فتشاور أبو حارثة مع جماعة من قومه فآل الأمر إلى إرسال وفد مؤلف من ستين رجلا من كبار نجران وعلمائهم لمقابلة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والاحتجاج و التفاوض معه ، وما أن وصل الوفد إلى المدينة حتى جرى بين النبي وبينهم نقاش وحوار طويل لم يؤد إلى نتيجة ، عندها اقترح عليهم النبي المباهلة ، بأمر من الله ، فقبلوا ذلك وحددوا لذلك يوما ، وهو اليوم الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة سنة : 10 هجرية .
*
لكن في اليوم الموعود عندما شاهد وفد نصارى نجران يقدمهم أسقفهم أبو الحارثة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد اصطحب أعز الخلق إليه وهم علي بن أبي طالب وابنته فاطمة والحسن والحسين ، وقد جثا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على ركبتيه استعدادا للمباهلة ، انبهر الوفد بمعنويات الرسول وأهل بيته وبما حباهم الله تعالى من جلاله وعظمته ، فقال الأسقف : ( إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا لأزاله بها ، فلا تباهلوا ، فلا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة ) فقالوا : ( يا أبا القاسم إنا لا نُباهِلَك ولكن نصالحك ) فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن يؤدوا إليه في كل عام ألفي حُلّة ، ألف في صفر وألف في رجب ، وعلى عارية ثلاثين درعا وعارية ثلاثين فرسا وثلاثين رمحا . وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلّى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولأضطرم عليهم الوادي نارا ، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا ) .
*
وأنزل الله تبارك وتعالى آية المباهلة في حق الرسول وأهل بيته : { فَمَن حاجَّكَ فيهِ مِن بَعْدِ ما جاءَكَ مِن العِلمِ فَقُل تعالوا نَدْعُ أبْناءَنا وأبْنَاءَكُم ونِساءَنا ونِساءَكُم وأنْفُسِنا وأنْفُسِكُم ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَل لَعْنَةُ اللهِ على الكاذِبين }
*
وقد قرن الله تعالى نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفس الأمير علي عليه السلام ، وأبناءهم هم الحسن والحسين عليهما السلام ونساؤهم هي فاطمة سيدة نساء العالمين عليها السلام .
*
قال الله عز وجل : { إنَّ اللهَ ومَلائِكَتَهُ يُصّلُّونَ على النَّبي يا أيُّها الذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّموا تَسْليما } قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه : ( لا تصلوا علي الصلاة البتراء )
قيل : ( ما البتراء يا رسول الله؟ )
قال : ( أن تصلوا علي ولا تذكروا آلي )
*
ومن مواعظه صلى الله عليه وآله وسلم :
*
( نصر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها فكم من حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاثة لا يغل عليها قلب عبد مسلم ، إخلاص العمل لله والنصيحة لائمة المسلمين واللزوم لجماعتهم ، فان دعوتهم محيطه من ورائهم ، المسلمون اخوة تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم )
*
ومن خطبة له صلى الله عليه وآله وسلم يذكر فيها شهر رمضان :
*
( أيها الناس قد أقبل إليكم شهر رمضان بالبركة والرحمة والمغفرة . شهره أبرك الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات وقد دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه مناهل كرامته أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب ، فاسألوا ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه ، فالشقي من حرم غفران الله فيه ، فاذكروا بجوعكم وعطشكم ، جوع يوم القيامة وعطشه ، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقروا كباركم وارحموا صغاركم وصلوا أرحامكم وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم ، وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم ، وتحننوا على أيتام الناس يتحنن الله على أيتامكم ، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم ، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم ، فإنها افضل الساعات ، ينظر الله عباده فيها بالرحمة ، ويجيبهم إذا ناجوه ، ويلبيهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه . أيها الناس من حسن في هذا الشهر خلقه ، كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ومن خفف فيه عما ملكت يمينه ، خفف الله حسابه ، ومن كف فيه شره ، كف الله عنه غضبه يوم يلقاه ، ومن وصل فيه رحمه ، وصله الله برحمته يوم يلقاه ، ومن تطوع فيه بصلاة ، كتب له براءة من النار ، ومن أدى فيه فرضا ، كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور ، ومن كثر فيه من الصلاة ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين ، ومن تلا فيه آية من القرآن ، كان له اجر من ختم القرآن في غيره ، ألا إن أبواب الجنة مفتحة فيه أسالوا ربكم أن لا يغلقها عنكم وأبواب النار مغلقة فأسالوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فأسالوا ربكم أن لا يسلطها عليكم )
*

[ تـالله رزء مـحـمـدٍ أوهـى الـقـوى وطـوى الـضـلـوع ومـضَّ فـي الأحـشـاء
الـيـوم قـد فـقـدت أبـاهـا فـاطـمٌ فـقـدت أبـاهـا أرأف الآبـاء ]
*
لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرض ونُعيت إليه نفسه بكى بكاء شديداً ، فقيل له : ( يا رسول الله أوتبكي من الموت وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ ) فقال : ( أين هول المطَّلع ، وأين ضيق القبر وظلمة اللحد ، وأين القيامة والأهوال )
ولما كان قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أيام هبط عليه جبرائيل عليه السلام ، فقال : ( يا أحمد إن الله أرسلني إليك إكراما وتفضيلا لك وخاصة يسألك عما هو أعلم به منك ، يقول : كيف تجدك يا محمد ) قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( أجدني يا جبرائيل مغموما ، وأجدني يا جبرائيل مكروبا )
*
فلما كان اليوم الثالث هبط جبرائيل وملك الموت ومعهما ملك يقال له إسماعيل في الهواء على سبعين ألف ملك فسبقهم جبرائيل ، فقال : ( يا أحمد إن الله عزوجل أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا لك وخاصة يسألك عما هو أعلم به منك ، فقال : كيف تجدك يا محمد ) قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( أجدني يا جبرائيل مغموما وأجدني يا جبرائيل مكروبا )
وأغمي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه ، فدق بابه ، فقالت فاطمة عليها السلام : ( من ذا؟ ) قال : ( أنا رجل غريب أتيت أسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتأذنون لي في الدخول عليه؟ ) فأجابت : ( إمض رحمك الله فرسول الله عنك مشغول ) .
فمضى ثم رجع ، فدق الباب ، وقال : ( غريب يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتأذنون للغرباء؟ ) فأفاق رسول الله صلى الله عليه وآله من غشيته وقال : ( يا فاطمة أتدر ين من هذا ؟ ) قالت : ( لا يا رسول الله ) ، قال : ( هذا مفرق الجماعات ، ومنغص اللذات ، هذا ملك الموت ، ما استأذن والله على أحد قبلي ، ولا يستأذن على أحد بعدي ، استأذن علي لكرامتي على الله ائذني له ) فأذنت له بالدخول فدخل كريح هفافة وقال : ( السلام على أهل بيت رسول الله )
*
وكان فاطمة الزهراء تبكي لمرض أبيها وعلمها بقرب المنية منه ، فقال لها : ( أدني مني يا فاطمة ) فأكبت عليه فناجاها ، فرفعت رأسها وعيناها تهملان دموعاً فقال لها : ( أدني مني ) فدنت منه فأكبت عليه فناجاها فرفعت رأسها وهي تضحك ، فتعجب من حولها لما رأوه فسألوها فأخبرتهم : ( لقد نعى نفسه فبكيت فقال يا بنية لا تجزعي فإني سألت ربي أن يجعلك أول أهل بيتي لحاقاً بي فأخبرني أنه استجاب لي فضحكت ) . ثم دعا النبي صلّى الله عليه وآله وسلم الحسن والحسين عليهما السلام فقبلهما وشمهما وجعل يترشفهما وعيناه تهملان.
*
فاستأذن ملك الموت ، فقال جبرائيل : ( يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك ، لم يستأذن على أحد قبلك ولا يستأذن على أحد بعدك ) قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( ائذن له ) فأذن له جبرائيل ، فأقبل حتى وقف بين يديه ، فقال : ( يا أحمد إن الله تعالى أرسلني إليك وأمرني أن اطيعك فيما تأمرني ، إن أمرتني بقبض نفسك قبضتها وان كرهت تركتها ) فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( أتفعل ذلك يا ملك الموت؟ ) فقال : ( نعم بذلك امرت أن أطيعك فيما تأمرني ) فقال له جبرائيل : ( يا أحمد إن الله تبارك وتعالى قد اشتاق إلى لقائك ) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( يا ملك الموت إمض لما امرت به )
*
وإنه لما دنت الوفاة منه صلى الله عليه وآله وسلم قالت فاطمة الزهراء مخاطبة أباها : ( يا أبتاه ألا تكلمني كلمة فإني أنظر إليك وأراك مفارق الدنيا وأرى عساكر الموت تغشاك شديداً ) ففتح عينيه وقال : ( بنية نعم وإني مفارقك فسلام عليك مني ) وفي ذلك اليوم التفت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام ويد فاطمة بيده فوضعها في يد علي وقال :
( يا أبا الحسن هذه وديعة الله ورسوله محمد عندك فاحفظ الله واحفظني فيها وإنك لفاعله ، يا علي هذه والله سيدة النساء من الأولين والآخرين ، هذه والله مريم الكبرى أما والله ما بلغت نفسي هذا الموضع حتى سألت الله لها ولكم فأعطاني فيما سألت واعلم يا علي إني راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة وكذلك ربي وملائكته ، يا علي ويل لمن ظلمها وويل لمن ابتزها حقها وويل لمن هتك حرمتها وويل لمن أحرق بابها وويل لمن آذى خليلها وويل لمن شاقها وبارزها وهم مني براء )
*
[ مـن ذا يـعـزي الـمـرتـضـى فـي الـمـصـطـفـى والأنـبـيـاء بـسـيد الأمـنـاء
مـن ذا يـعـزي الـمـجـتـبـى فـي جـده حـسـن الـزكـي وسـيـد الـشـهـداء ]
*

أتى أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى رسول الله وأخذ بقدميه وأخذ يقبلهما وبكي فغشي عليه ولما أفاق قال : ( من لي ولولدي بعدك يا رسول الله؟ ) فرفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأسه وقال : ( الله بعدي ووصيي صالح المؤمنين ) .
فجاء الحسن والحسين عليهما السلام ، يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول الله صلى الله عليه وآله فأراد علي عليه السلام أن ينحيهما عنه ، فأفاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال : ( يا علي دعني أشمهما ويشماني وأتزود منهما ويتزودان مني ، أما إنهما سيظلمان بعدي ويقتلان ظلما ، فلعنة الله على من يظلمهما ) وقبّل الحسن على فمه ، لأنه موضع السم ، وقبّل الحسين على نحره لأنه موضع السيف ، فاستذكر يوماً يكون فيه حفيده وحيداً فريداً ، يحوم حوله جماعة الشر ، قوم لا تنالهم شفاعته لا في دنيا ولا في آخرة ، فبكى وقال : ( مالي وليزيد! )
*
وكان أمير المؤمنين حاضرا عنده فلما قرب خروج نفسه قال له : ( يا علي ضع رأسي في حجرك ، فقد جاء أمر الله فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك ثم وجهني إلى القبلة وتولّ أمري وصلِّ عليَّ أول الناس ولا تفارقني حتى تواريني في لحدي ) فأخذ عليّ رأسه ووضعه في حجره فأغمي عليه صلى الله عليه وآله وسلم فانكبت فاطمة عليها السلام تنظر في وجهه وتقول :
*
وأبـيـض يُـسـتـسـقـى الـغـمـام بـوجـهـه ثـمـال الـيـتـامـى عـصـمـة الأرامـل
*
ففتح رسول الله عينيه وقال بصوت ضئيل : ( يا بنية هذا قول عمك أبي طالب لا تقوليه ولكن قولي : { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل إفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } ) ، فبكت طويلا .

ثم جلس جبرئيل عن يمين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وميكائيل عن يساره ، وملك الموت بين يديه ، وجعل يقبض روحه ، فقال جبرئيل : ( يا ملك الموت احفظ وصية الله في روح محمد ) ثم مد النبي يده إلى علي وقال : ( ادن مني يا علي فقد جاء أمر ربي ) ثم جذب عليا تحت ثوبه وتحت فراشه ووضع فاه على فيه وجعل يناجيه مناجاة طويلة حتى فارقت روحه الشرية جسده، فانسل علي من تحت الفراش باكيا حزينا ويقول : ( عظم الله أجوركم في نبيكم ) فارتفعت الأصوات بالضجة والبكاء ، وضج أهل المدينة وجعلوا يحثون التراب على رؤوسهم وينادون : ( وا سيداه ، وا نبياه ، وا محمداه ، وا أبا القاسماه )
*
[ ولـفـقـده جـبـريـل نـادى فـي الـسـمـا صـوتـا وجـبـريـلٌ بـه مـثـكـول
يـا خـاتـم الـرسـل الـكـرام ومـن إلى هـدي الأنـام مـن الإلـه رسـول ]
إن الـبـسـيـطـة أظـلـمـت أرجـائـهـا مـن بـعـد شـخـصـك فـالـخـصـيـب مـحـيـل
*
وكانت وفاته صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر أي في اليوم الثامن والعشرين من صفر ، وكان عمره ثلاث وستون سنة ، قال علي عليه السلام : ( أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يغسله أحد غيري ، فكان الفضل وأسامة ، يناولانني الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين ) فلما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده لم يشركه معه أحد في الصلاة عليه . ولما واراه في ملحودة قبره وأهل التراب عليه جلس يبكي على قبره وأنشأ يقول :
*
الـمـوت لا والـداً يـبـقـي ولا ولـداً هـذا الـسـبـيـل الـى أن لا تـرى أحـدا
هـذا الـنـبـي ولـم يـخـلـد لأمـتـه لـو خـلـد الله خـلـقـاً قـبـلـه خـلـدا
لـلـمـوت فـيـنـا سـهـام غـيـرُ خـاطـئـة مـن فـاتـه الـيـومَ سـهـمٌ لـم يـفــتـه غـدا
*
وأتت الزهراء فانكبت على قبر أبيها تحثو التراب على وجهها تندبه وتبكي رحيله وتصيح من قلبها المملوء بالاسى والحزن :
*
مـاذا عَـلَـى مـن شـمِّ تُـرْبَـةَ اَحْـمَـد اَنْ لا يَـشَـمَّ مـدا الـزَّمـانِ غَـوالِـيـا
صُـبَّـتْ عَـلـىَّ مَـصـآئِـبٌ لَـوْ اَنَّـهـا صُـبَّـتْ عَـلَـى الاَيّـامِ صِـرْنَ لَـيـالِـيـا
قُـلْ لِـلْـمُـغـيَّـبِ تَـحْـتَ أطـبـاق الـثَّـرى اِنْ كُـنْـتَ تَـسْـمَـعُ صَـرْخَـتـى وَنِـدائـيـا
صُـبَّـتْ عَـلـىَّ مَـصـآئِـبُ لَـوْ اَنَّـهـا صُـبَّـتْ عَـلَـى الاَيّـامِ صِـرْنَ لَـيـالِـيـا
قَـدْ كُـنْـتُ ذاتَ حِـمـىً بِـظِـلِّ مُـحَـمَّـد لا اَخْـشَ مِـنْ ضَـيْـم وَكـانَ حِـمـالِـيـا
فَـالـيـوْمَ اَخْـضَـع لِـذَّلـيـلِ وَاَتَّـقـي ضَـيْـمـي وَاَدْفَـعُ ظـالِـمـي بِـرِدائـيـا
فَـاِذا بَـكَـتْ قُـمْـرِيَّـةٌ فـي لَـيْـلـِهـا شَـجــنـاً عَـلـى غُـصْـن بَـكَـيْـتُ صَـبـاحِـيـا
فَـلاَجْـعَـلَـنَّ الـحُـزْنَ بـَعْـدَكَ مُـونِـسـي وَلاَجْـعَـلَـنَّ الـدَّمْـعَ فـيـكَ وِشـاحــيـا
*
وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه وأين يدفن فخرج إليهم أمير المومنين عليه السلام وقال لهم : ( أن رسول الله إمامنا حيا وميتا فليدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير إمام وينصرفون ، وان الله لم يقبض نبيا في مكان إلا وقد ارتضاه لرمسه فيه ، وإني لدافنه في حجرته التي قبض فيها ) فسلم القوم لذلك ورضوا به .
*
ومثلما تزلزت السماوات لمولده ، وارتجت السماوات السبع فرحاً ، وابتهجت الدنيا سروراً لاستقباله ، حزنت الدنيا حزناً شديداً على فراقها لروحه الطاهرة . واتشحت المدينة بالسواد ، وأعلنت السماوات والأرض الحداد وأقامت العزاء لوفاة الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم .
ومن حكمه المنيرة للدروب :
*
( رضى الرب في رضى الوالدين وسخط الرب في سخط الوالدين )

( الرحم معلقة بالعرش تقول اللهم صِلْ من وصلني واقطع من قطعني )

( التاجر الأمين الصدوق مع الشهداء يوم القيامة )
( إتقوا الله في الضعيفين ، المرأة الأرملة والصبي اليتيم )

( إتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا ، فإنها ليس دونها حجاب )
( من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله )
( من لا يَرْحم لا يُرْحَمْ )

*
سـلامٌ عـلى خـاتـم الأنـبـيـاء ، سـلامٌ عـلـى سـيـد الأوصـيـاء ، سـلامٌ عـلـى قـمـة الـعـلـيـاء ، سـلامٌ عـلـى مـن روحـي لـه الـفـداء ، سـلامٌ عـلـى مـن خُـلِـقَ قـبـل الـمـيـزان والانـشـاء ، سـلامٌ عـلـى خـيـر الـورى ، سـلامٌ عـلـى كـاسـفِ شـمـسِ كـسـرى ، سـلامٌ عـلـى مـن بـضـعـتـهِ الـزهـراء والـريـحـانـتـيـن مـن صـلـبـه الأنـقـى ، ووصـيـه الـكـرار عـلـي الـمـرتـضـى ، سـلامٌ عـلـى مـن اتُـهِـم بـالـهـجـرِ زورا ، سـلامٌ عـلـى مـن لا يـنـطـقُ عـن الـهـوى إن هـو الا وحـيٌ يـوحـى . يـا قـلـبـي ضـجَّ بـالـنـحـيـبِ والـبـكـاء ، ويـا روحـي الـتــحـفـي ظـلـمـةَ الـسـمـاء ، قـد غـاب الـيـوم نـور اللهِ عـن الأرجـاء ، الـيـوم قـتـلـوا الـحـبـيـب شـفـيـعـنـا يـوم الـمـحـشـر ، الـيـوم هـشـمـوا ضـلـع بـضـعـتـه الـكـوثـر ، الـيـوم قـطــعـوا كـبـده الـطـهـرالـمـطـهـر ، الـيـوم نـحـروا الآيـات والـسـور ، الـيـوم مـلـجـم قـتـل الـلـيـث الـقـسـور ، الـيـوم الـكـونُ ظـلام والاشـراقُ يُـحـتـضَـر ، والاسـلام ضـاع والـنـاسُ بـالـفــسـوق تـجـهـر ، لـيـتـنـي ضـجـيـعُ قـبـرك الـروض الأزهـر ، أتـنـفـسُ عـطـرك وأرتـوي مـن وردِكَ الأوفـر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق