الجمعة، أغسطس 06، 2010

مـا أقسـآهـآ مِـن ذكرَى


.
.

التاريخ .. الثاني من أغسطس لعام 1990 ، يوم الخميس يوم مشؤوم في تاريخ الكويت
فعند بزوغ خيوط الفجر الاولى وحينما كان الناس نيام ، تدفقت دبابات العدو العراقي الى أراضي الكويت وبدأت بالتوغل والتعمق فيها ، أحس الجميع مع نسمات الصباح الاولى أن جو الكويت تغير ، الهدوء مهيب ، انتشر خبر دخول العراقيين الى الكويت ، فأنكر الأهالي ولم يصدقوا ، العراق؟ هل هي فعلاً؟ لماذا؟ لم تقصر الكويت معهم في حربهم مع ايران ، فكيف ردوا الاحسان؟
همهات كثيرة من هنا وهناك .. وتأكدوا من الخبر حينما رأوا الجنود منتشرين كالجراد في شوارع الكويت ، فاستيقظ الحس الولائي والضمير الوطني لدى الشعب من عساكر ومدنيين ، وبدأت صفوف العساكر في الدفاع عن الوطن والعرض ، واستشهدت الطلائع الأولى ، وكلهم فرحة بشرف الشهادة والحسرة على انتهاك حرمة الجيرة ، الحسرة على الكويت المغدور بها.
.
.
سالت دماء شهداء الطليعة الاولى وروت الارض بالوفاء والتضحية ، فذلك فداء للكويت.
لا أذكر من الغزو الغاشم الا السواد والظلام ، الظلام في الليل والنهار ، الخوف والرهبة ، ودوي القنابل وقصف البيوت الآمنة واعتقال أهلها ، القتل والنهب والسرقة ، التعذيب بأبشع الوسائل ، وسائل لم تعرفها البشرية ، فهي وحشية لأقصى درجة ، مجردة من الانسانية والرحمة ، لم يرحموا لا الشيخ الكبير ولا الطفل الصغير ، فطرق التعذيب كانت بربرية ، فكيف استطاعوا الإشراف على هذا التعذيب ورؤيته؟ بل والضحك والتلذذ برؤية المعذب ينفجر من الألم ، إن الحجر وهو حجر ليتفتت كمداً من ذلك المنظر!
الكويت أصبحت خراب ، آبارها الغنية احترقت ، سماؤها الصافية تلوثت ، والبحر النظيف امتلأ بالكائنات النافقة والنباتات الميتة ، كل شبر من الكويت تلوث: برها وبحرها وجوها.
.
.
استمر شباب المقاومة في المقاومة .. منذ اليوم الاول ، فالقلب الذي ملئ بالعشق يجد طريق التضحية في سبيل الحبيب سهلاً يسيراً. مسيرات تهتف بـ " تحيا الكويت " ، " الكويت للكويتيين " ، وتمزيق صور العدو المحتل ، كانوا ليوثاً في وجه الموت ، القتل عندهم أهون من رؤية الوطن ينتهك. ولم يقتصر عملهم على القتال وحسب ، بل تعاونوا وساندوا الأهالي وأمدوهم بالطعام والماء وما يحتاجونه. كانوا مجموعة من الخلايا تعمل كلها تحت لواء الكويت. قتلوا الولد أمام والديه ، قتلوا الوالد أمام أبنائه ، ذبحوا أبناء الكويت على أرض أمهم ! أمهات أثكلت وأخرى ترملت ، أصبح الأبناء أيتام وجرح في أعماقهم لا يندمل أبد الدهر.
.
.
متحف شهداء القرين ، رمز للفداء ودليل حي على معاناة الشعب الكويتي. فكلما أمر بسيارتي وأراه ، يقشعر بدني وتترقرق الدموع في عيني ، فما أقسى تلك المحنة. بيت مملوء بالثقوب جراء الرصاص ، ومن الداخل ترى على الحيطان والأرض وكل زاوية آثار دماء عمرها 20 عاماً ، لشباب في مقتبل أعمارهم ، وجدوا الموت كالعسل في سبيل الوطن. وترى صورهم منتشرة ، مع أبنائهم وعائلاتهم المحترقة على فقدهم.
هنالك أسرى أعطاهم الله عمراً آخر ، وعادوا بعد التحرير من السجون العراقية ، وحكوا ما لاقوا من الظلم والعذاب في ذلك المكان الموحش ، فالسجن عبارة عن سراديب في أعماق الارض ، مظلمة كظلمة الليل ، لا يعرف الليل من النهار فيها ، جوها رطب وعفن ، السجون صغيرة ، مكدسة بالأشخاص من الجنسين: ذكر وأنثى ، عذبوا الشباب واغتصبوا الفتيات بحقد وانتقام. وكان التعذيب بألوان وأشكال مختلفة: جسد عاري معلق على الحائط يضرب من كل صوب ، أو مرمي على الأرض تصيبه الركلات في كل جزء من جسده ، صواعق كهربائية في المخ تصيب المرء بالجنون ، تمزيق الاجساد وهي حية .. أساليب متوحشة يعجز المرء عن وصفها ..
فقدت الكويت ما يزيد على الـ 1400 شهيد ، ومنذ الازمة والى اليوم تتسلم الكويت رفات أبناءها وبقايا أجسادهم ، ولا تزال هناك أجساد مفقودة لأشخاص فقدوا في الأزمة. صحيح أن مدة الغزو كانت سبعة أشهر ، لكنها مرت بطيئة جداً على قلوب أهلها. عشرون عاماً مرت على الذكرى ولكن لا تزال محفورة في الذاكرة ، كأنها حدثت بالأمس ، ولن ننساها ..
.
لا أعاد الله تلك الأيام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق