الجمعة، يوليو 16، 2010

.: دنيــا الفــراق :.



I did not mean to convoy weeping
but today,
it is the separation which made the hardiest men cry
.
.
إن الفراق كلمة أجمع على نبذها جميع البشر ، لما لها من معنىً قاسٍ ومؤلم ، فلا تتحمل النفس البشرية المحبة البعد عن أحبائها ، وغالباً مايكون الفراق مصحوباً بالأسى والألم ، سواء أكانت الظروف هي التي تجبر العاشقين على الافتراق أو القدر المحتم على جميع الخلائق وهو الموت . في كلا الحالتين يوجد دموع ، يوجد شجون ، يوجد حرمان ، يوجد اشتياق ، توجد آهات لا تتوقف ..
بينما الحب هو أجمل شعور في الحياة ، الفراق هو أبشع شعور في الحياة ، إنهما صديقان متناقضان تماماً ، فالحب يدعو للحياة والفراق يدعو للممات. ويروي التاريخ الكثير من قصص الحب ، وكفاح الأحبة ونزولهم في ساحة القتال مسلحين بحبهم للدفاع عنه ، وكان مصير كل تلك الملاحم ، ملاحم العشق والولاء ، هو الفراق . وبالرغم من دراية الناس بهذه النهاية الأليمة ، لا يزال الحب قائما منذ هبوط أول آدمي الى الأرض ، وسيكون موجوداً الى أن تسكن آخر نفس بشرية ..
يقال أن الليل هو نهار العاشقين ، فترى العشاق قد دأبوا على السهر ، أرهقت جفونهم ، غرقى مدامعهم ، تملأ زفراتهم الأفق ، يأنسون بالليل ووحشته ، فالظلام غطاء وستار يستر دموعهم وحنينهم ، يتضرعون الى خالقهم أن يجمعهم مع أحبائهم ولو للحظه واحدة ، ليشفى غليل الفؤاد . وما يبعث على الحزن هو أن للانسان ذاكرة تمحى ذكريات وتبقى أخرى ، فالتي تبقى لا ينساها المرء ولو حاول ، فهي منحوتة في ذاكرته ، فكيف يسعد الانسان ويفرح وصدى ذكرياته المؤلمة تغزو مخيلته بين الحين والآخر؟ كيف ينسى جرح الفراق !
.
وهل يبقى عشقي ماضي والمحبب *** دنى ميتاً من مالك الموت والأمل
.
هنا .. فراق من نوع آخر ، ربما أشد لوعة وأشد مرارة وأشد حسرة ، فعندما يكون الحبيب موجوداً في دار الدنيا ، يكون هناك بريق أمل للقائه ، ولكن أصعب ما في الأمر عندما يكون الحبيب ليس على سطح الارض ، بل تحتها ووسط ثراها ..
حين يكون الفراق الفراق هو مصدر كل الألم ، حين يكون الفراق محراباً يقضي فيه العاشق لياليه ، حين يكون الفراق بطاقة دعوة للمرض والهم ، حين يكون الفراق أقسى ما في الوجود ، حين يكون الفراق أتعس قدر يقف بوجه العاشق ولا مفر منه ، حين يكون الفراق سجّان يقيّد أسيره بقيود من نار ، حين لا يملك العاشق إلا قبر حبيبه أمامه وأنهار من دموع يذرفها على رحيله ..
وقبل أن يحمل الجسد على الأكتاف ، ذلك الجسد الذي طالما شعر العاشق بالأمان الى جانبه ، يقترب منه يقدّم خطوة ويؤخر أخرى ، يتساءل هل هذا الجسد الممدد أمامه هو نفس الشخص الذي أحبه وعشقه؟ نفس قسمات الوجه ونفس اليد ونفس الجسد لكن بدون روح ، كم يكون لذلك الجسد الذي غادرته الروح رهبة غير عادية !
في تلك اللحظة ، وفي ذلك اللقاء الأخير ، ما موقف العاشق؟ وكيف تقدر الكلمات على أن تصف مشاعره؟ وكيف يكون التوديع؟ لو يجتمع جميع الشعراء في العالم والكتّاب ليصفوا مشاعره في جميع لغات العالم لما استطاعوا ، فهذا الموقف أكبر من أن تصفه الكلمات . هي مشاعر لا تترجم ، فهل تكفي الدموع لتعبر عنه؟ إن الدموع ، وهي رمز عظيم ، لها قدرة عجيبة في التعبير عن مكنونات البشر ، سواء في الفرح أو الحزن ، ذلك الماء المالح الذي ينحدر من المقلتين يستطيع أن يحل محل ألف كلمة في التعبير ..
يعتصر القلب كمداً حين يواري الثرى جسد محبوبه ، فذلك منزله الأبدي الذي لا خروج منه ، وحين ينصرف الآخرون ، يبقى العاشق حائراً ، فهل ينصرف أم يبقى؟ واذا قرر البقاء فإلى متى؟ فإن هناك دنيا تنتظره ، وعمراً يعيشه ، ولكن من لهذا الميت؟ الذي لو كشفنا عنه لوجدنا الحزن يكسو وجهه لفراق دنياً يعيش بها أحبابه . إن الفراق طريق مملوء بالأشواك والأوجاع لا يذوق مرارته إلا المحب المخلص المتيم ، فغياب الحبيب سهام تخترق أضلاعه وتهدم أحلامه الجميلة ، فينصب عزاءً عنوانه لحن الأنين . ويبكي الغرام ذلك المحب الوفي ويرثيه ، الذي يتجرع الغصص ويكتم في داخله صرخاته الحارقة ، ويقطع للحب وعداً وعهداً يوقعه بنزيف دمه بأن يعانق حبه وهواه مدى الحياة . فما جدوى الحب إن عشناه ونسيناه؟ وهل يكون الحب موجوداً فقط حين تكون قلوب العاشقين تنبض؟ أم تبقى حتى بعد سكون دقات قلب أحدهما؟
سؤال يستفهم الحب ..
.
.
لا أراكم الله مكروهاً بعزيز ولا فرقكم عنه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق