الاثنين، يونيو 27، 2011

⋟ موسى في قعر السجون ⋞



*
[ قـضـى وحـده فـي الـسـجـن مـلـتـهـب الـحـشـا فـلـهـفـي عـلـيـه ذلـك الـمـتـهـجـد
قـضـى فـي طـوامـيـر الـسـجـون بـغـربـة عـن الأهـل والأوطـان قـهـراً مُـبـعـد ]

*
عاصر الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام في حياته أربعاً من الخلفاء العباسيين وكان أولهم المنصور العباسي وكان معروفاً بظلمه وبطشه بالناس وذلك لسلطانه .ولم يكتفي بإيذاء الشيعة بل راح يضطهد فقهاء أهل السنة حتى وصل به الحال الى جلد أبا حنيفة ، وقد ضجت السجون من كثرة المسجونين . وقد بالغ في تعذيبهم وتشريدهم وقضى بقسوة بالغة على معظم الحركات المعارضة ، فواجه الامام الكاظم هذا الخليفه اللعين وكان عمر الامام 20 عاماً وعندما اطلع المنصورمن خلال عامله على المدينة على رحيل الامام الصادق عليه السلام كتب إليه : ( اذا كان جعفر بن محمد قد عيّن أحد خليفة له فأحضره واضرب عنقه )
*
ولم تمض فترة طويلة حى جاء كتاب من عامله على المدينة الى بغداد بهذا المضمون :
( إن جعفر بن محمد قد عيّن في وصيته 5 أوصياء له وهم الخليفة المنصور العباسي ومحمد بن سليمان عامل المدينة وعبدالله بن جعفر ابن محمد أخو الامام الكاظم وموسى بن جعفر وحميدة زوجته )

*
وكان عامل المدينة قد سأل في آخر الرسالة عن الشخص الذي يجب قتله
فصاح المنصور أنه لا يمكن قتل هؤلاء . ومن المؤكد أن وصية الامام كانت حركة سياسية ، لأنه كان قد عيّن الامام الكاظم وعرّفه لشيعته والعلويين ، وبسبب علمه بمخططات المنصور المشؤومة أوصى بهذه الوصية حفاظاً على الامام السابع .
*
وبعد انتهاء حكم المنصور تنفس الناس الصعداء بعد سنين الاضهاد ، وتقلد الخلافة ابنه المعروف بالمهدي واسمه محمد ، وكان أقل قسوة من أبيه على العلويين وعلى الامام الكاظم . وقد سنحت هذه الفترة للامام الكاظم بنشر علومه في أوساط الأمة .
*
وتقلد الخلاقة من بعده ابنه الهادي وكان حكمه مصدراً للأحداث المريرة ومن جملتها واقعة فخ الكبيرة والتي استشهد فيها عدد كبير من العلويين .
وعندما مات استلم الخلافه هارون الررشيد وكان أشدهم على الامام عليه السلام ، فكان يحاول دائما التقليل من هيبة الامام ومكانته أمام الناس لأنه كان يعرف أن الكاظم هو الامام الحق وقلوب الناس معه .
وفي يوم التقى معه وهو في جانب الكعبة فقال له هارون الرشيد : (هل أنت من بايعه الناس خِفية ورضوا ابه إماماً؟ )
فأجابه عليه السلام : ( أنت إمام الأجسام وأنا إمام القلوب )
*

[ تعـالـيـتَ لـم تـخضـع لـسـيـفٍ وحـاكـمٍ ، وحـاشـاك أن تـمـددْ يـديـكَ لـظـالـم
وأبـديـتَ غـيـظـاً تـارة وكـظـمـتـهُ ، فـبـوركـت مـن بـادٍ لـغـيـظ وكـاظـم ]

*
وعندما وقف هارون على قبر الرسول وقال : ( السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يابن عم )
وكان يريد أن يبين صلته بالرسول ويتفاخر بها أمام الناس فتقدم . الامام الكاظم وقال :
(السلام عليك يارسول الله ، السلام عليك يا أبتِ )
*
فتغير وجه هارون وتبين الغيظ فيه فقال : ( هذا هو الفخر حقاً )
*
ولم يكتفي بذلك فكان يريد انكار انتساب الأئمة الى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأنهم أبناءه فقد سأل للامام يوماَ : ( لِمَ يقولون لكم يابني رسول الله ؟ ولِمَ جوّزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم الى الرسول ويقولون ذلك وأنتم بنو علي وإنما يُنسب الابن الى أبيه والرسول من قِبل أمكم )
*
فأجاب الامام عليه السلام بهذه الآية الكريمة : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرّيّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىَ وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيّا وَيَحْيَىَ وَعِيسَىَ وَإِلْيَاسَ كُلّ مّنَ الصّالِحِينَ }

*
وأضاف الامام : ( فإنما اُلحِق عيسى بذراري الأنبياء من قِبَل مريم
واُلحقنا بذراري النبي من قِبَل أمنا فاطمة )
فلم يجد هارون جواباً .
*
وقد دعته هذه الأسباب وغيرها الى زجّ الامام بالسجن مع علمه أنه الامام الحق .
وقد وشى بالامام عليه السلام أقرب الناس إليه وهو علي بن اسماعيل ابن جعفر ووشى به محمد بن جعفر حيث دخل على هارون فسلم عليه بالخلافة وقرأ له قصيدة تبين أن هناك من يسلم على الامام بالخلافه أيضاً فقال لهارون : ( ما ظننت أن في الارض خليفتين حتى رأيت أخي موسى بن جعفر يُسَلَّم عليه بالخلافه ) . فما كان من هارون الرشيد الا بسجن الامام لكي يحمي سلطانه ويحافظ على كرسيه .
*
وجاء الشرطة يبحثون عن الامام عليه السلام فوجدوه قائماً يصلي عند قبر جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقطعوا عليه صلاته ولم يمهلوه من اتمامها ، وحُمِلَ عليه السلام من هناك الى سجن البصرة مقيداً بالحديد وعيناه تسيلان دموعاً وهو يقول : ( إليك أشكو يا رسول الله ) .
*
ولما أوصلوه الى السجن سُجن عند عيسى بن جعفر مقفلٌ عليه السجن لا يُفتح له إلا للطهور وادخال الطعام . وكان عليه السلام يقضي أوقاته في السجن بالعبادة والتضرع الى الله وسُمِعَ يقول : ( اللهم إنك تعلم أني كنت أسألك أنْ تفرغني لعبادتك ، اللهم وقد فعلت فلك الحمد ) .
*
وبعد تلك المدة طلب عيسى بن جعفر من الرشيد نقل الامام إليه وإلا أطلق سراحه ، لأنه ما رأى منه الا العبادة والبكاء من خشية الله والخير الكثير .
فقبِلَ قول عيسى ونقل الامام الى بغداد مقيداً تحُفُّ به الحراس ، حتى أوصلوه الى بغداد فأُودع في سجن الفضل بن الربيع .
ولم يزل ينقل من سجن الى سجن حتى وصل الى سجن الفضل بن يحيى .
*

[ لـهـفـي عـلـيـه سـجـيـنـاً طـول مـدتـه مـازال يُـنـقـل مـن سـجـن الـى ثـانـي
مـن طِـيـبـة أزعـجـوه وهـي مأمنه وكـان فـي مـلـتـجـى أمن وايماني ]

*
وكانو هؤلاء السجانين يضيقون عليه بأمر من الرشيد . ولما كان الامام في سجن الفضل كان الرشيد يراقب حال الامام بنفسه . فأطل يوماً من أعلى القصر على السجن ، فرأى ثوباً مطروحاً على الأرض في مكان لم يتغير عن موضعه ، فقال للفضل : ( ماذاك الثوب الذي أراه كل يوم في نفس الموضع؟ )
فقال الفضل : ( ماذاك بثوب وإنما هو موسى ابن جعفر ، له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الى وقت الزوال )

*
فقال هارون : ( أما أن هذا من رهبان بني هاشم )
فقال الفضل : ( مالك قد ضيقت عليه بالحبس )
قال هارون : ( هيهات لابد من ذلك )
*
[ فـلـمّـا رأت مـنـكَ الـعـبـادةَ أيـقـنـتْ ، بـأنـك حـقـاً مِـن سُـراةِ الأعـاظـم
هـي الـنـفـسُ تـسمـو فـوقَ كـلَّ دنـيـئـةٍ ، إذا كـانـت الاخـلاق إحـدى الـدعائـِم ]

*
ومن طرق التعذيب التي كانوا يتعبوها ليعذبوا الامام ، هي ادخال جارية عليه ، من بنات الفسق والفجور لتحرضه على المنكر . وقد دخلت جارية عليه يوماً ، وبعد مدة أطلوا على السجن لينظروا ماذا فعلت ، واذا بهم يفاجئوا بمنظر الجارية وهي ساجدة خلف الامام الكاظم تردد ما يقول من مناجاة واستغفار وتضرع لله تعالى ودموعها جارية ، فأخرجوها وسألوها عن الأمر ، فقالت : ( ذكرتني هيبة وجهة وجلال منظره بالله عز وجل )
*
وكان يطلب بين الحين والآخر أن يُفتك بالامام ، والفضل لم يجبه الى ذلك . ولما طال بقاء الامام في السجن قام في غلس الليل مجدداً طهوره وصلى لربه أربع ركعات وأخذ يناجى الله تعالى :
*
( يا سيدي نجني من حبس هارون وخلصني من يده ، يا مخلص الشجر من بين رمل وطين ، ويا مخلص النار من بين الحديد والحجر ، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم ، ويا مخلص الولد من بين مشيمه ورحم ، ويا مخلص الروح من بين الأحشاء والأمعاء ، خلصني من يد هارون )
*
أيُّ ظلم وقمع وتعذيب قد لاقاه الامام – بأبي هو وأمي – حتى نفد صبره وأخذ يطلب بالخلاص من السجن؟ لقد احتمل الامام مالا يحتمله أي انسان . فقد قضى عمره تحت الارض بين جدران السجن بعيد عن أهله ومحبيه ، لا يزوره أحد منهم ، ليس رغبة منهم في تركه بل غصباً عنهم . وكان الامام يراسل شيعته خفية بالرسائل ، يعلمهم ويجيب عن أسئلتهم قدر استطاعته .
*
وبعد أن أتم الامام دعاءه ، استجاب الله له ذلك ، فأمر الطاغيه اطلاق سراحه .
ولكن اطلاق سراحه كان اطلاقاً مؤقتاً دام عدة أيام عاشها الامام مُكرهاً في بغداد . وكان هارون يهدد الامام بالقتل . وبعد ذلك أرجعه الى سجن الفضل بن يحييى ، وأمره بالتضييق عليه ، لكنه فعل عكس ذلك ولما علم الطاغيه بذلك أمر بنقل الامام لسجن السندي بن شائك . وكان عدواً لآل محمد ، قاسي القلب ، وأمره أن يضيق على الامام وتقييده بـ30 رطلاً من الحديد ، وأن يقفل عليه الأبواب ، ولا يدعه يخرج . فامتثل لأمره فوضعه في طامورة لا يُعرف فيها الليل من النهار ، وأوثقه بالحديد ، حتى أثّر الحديد في جسده الشريف .
*

[ روحـي فـداه بـعـيـداً عـن عـشـيـرتـه ، لا بـل بـعـيـد الـلـقـى مـن أي انـسـان ]
*
وكتب الامام الى علي بن سويد ، وكان بن سويد قد سأل الامام مسائل فكتب اليه بعدما أجابه على مسائله : ( إني أنعى اليك نفسي في لياليَّ هذه ، غير جازع ولا نادم ولا شاك فيما هو كائن من قضاء الله عزوجل وحتم ، فاستمسك بعروة الدين )
*
فما مضت تلك الأيام حتى بعث الطاغيه الى السندي رطب مسموماً وأمره أن يقدمه الى الامام الكاظم فامتثل امر طاغيته ، وقدمه الى الامام وأجبره على أكله فرفع باب الحوائج يده الى السماء وقال : ( يارب إنك تعلم أني لو أكلت قبل كنت قد أعنت على نفسي )

*
ثم تناول 7 رطبات فأكلها ثم امتنع ، فقال له السندي : ( زد على ذلك )

فرمقه الامام بطرفه وقال : ( حسبك قد بلغت ما تحتاج اليه )
*
وبعد ذلك أخذ السم يسري في بدنه وهو يعاني أشد الآلام في تلك الطامورة . وأحاط به الأسى والحزن حيث لا أحد من أهله وأحبته عنده . وبقي على هذه الحالة 3 أيام . وبينما هو يسمع أخشن الكلام وأغلظه من السندي وهو في تلك الحالة ، اذ ادخل عليه السندي 80 رجلاً من وجوه بغداد وأعيانها ، وقال لهم : ( انظروا الى هذا الرجل هل حدث فيه حدث )
*
فقال الامام : ( اِشهدوا أني صحيح في الظاهر ، ولكني مسموم وسأحمر حمرة شديدة وأبيضّ بعد غد ، وأمضي الى رحمة الله ورضوانه )
*
عند ذلك أوصى وصيته الأخيرة وأشهد جميع الذين حضروا واتصل بحميد بن سويد سراً ، بعد أن اعطى السجانين بعض المال فسأله قائلاً : ( سيدي متى الفرج فوالله لقد ضاقت صدورنا )
فقال له الامام : ( الفرج قريب يابن سويد )
قال : ( متى سيدي؟ )

*
قال عليه السلام : ( يوم الجمعة ضحىً على الجسر ببغداد )
*
[ عـلـى الـجـسـر تـبـكـيـكَ الـعـُـيـونُ ، وحـزنـنـا عـلـيـك عظيـمٌ مـثـل حـزن الـفـواطـم
سـلامـاً عـلـى جـسـر تـزاحَـمَ فـوقـه ، أنـيـنُ الحـيـارى بـيـنَ بـاك ولاطـم ]

*
فخرج ابن سويد ورجلاه لا تكاد تحملاه من الفرح بهذا الخبر ، ووصل الى دور أصحابه وطرقها باباً باباً وهو يقول لهم البشرى :
( إن الامام يخرج ضحىً الجمعة على الجسر ببغداد )
*
وفي ذلك اليوم وبينما هم سماطين ينتظرون خروج الامام بطلعته البهية ، واذا بجنازة مطروحة والمنادي ينادي : ( هذا إمام الرافضة قد مات حتفاً ، فانظروا اليه ) . فجعل الناس يتفرسون في وجهه . يقول بن سويد : ( جئت لأنظر اليه واذا هو سيدي ومولاي موسى بن جعفر )

*
فأخذ أنصاره وشيعته ومحبيه ينوحون ويبكون ، وبينما هم كذلك واذا بطبيب نصراني يمر بجانبهم وكان بينه وبين بن سويد صحبه ، فقال له : ( أقسم عليك بالمسيح إلا ما رأيت سبب موت هذا المسجّى )
فقال الطبيب ( اكشف لي باطن كفه )
فكشف له ، وأخذ ينظر فيها ويهز برأسه

*
فقال بن سويد : ( اخبرني ما رأيت )
قال الطبيب : ( هل لهذا الرجل من عشيرة؟ )
قال : ( بلى هذا موسى بن جعفر سيد بني هاشم )

*
قال : ( يابن سويد ابعث الى أهله فليحضروا ويطالبوا بدمه فإنه مات مسموماً )

*
وسمع النداء على جنازة الامام سليمان عم هارون فسأل عن الخبر ، قيل له أن على الجسر جنازة أحد الناس مات في سجن الخليفة
فقال : ( ويحك ما أكثر الذين يموتون في السجن ، ولكني أرى بغداد تموج بأهلها ، ويحكم انظروا من لهذه الجنازة )
فرجعوا وهم يقولون انها جنازة رجل حجازي فقال : ( انظروا من أين )

*

فقالوا من بني هاشم فقال : ( ويحكم أنا من بني هاشم ، لمن تكون هذه الجنازة )
قالوا هي جنازه موسى بن جعفر .
*

[ وأربـعـة جـاؤوا بـنـعـش إمـامـنـا وأصـواتـهـم مـنـها الـحـشـا يـتـوقـد
يـنـادون هـذا نـعـش مـوسـى بـن جـعـفـر هـلـمـوا الـيـه أيـهـا الـنـاس واشـهـدوا ]

*
فأمرهم سليمان أن يضعوا الجنازة على مفرق أربعة طرق وراح المنادون ينادون : ( ألا من أراد أن يحضر جنازة الطيب ابن الطيب موسى بن جعفر فليخرج ) .

*
ثم جهز الامام وكان الذي جهزه ولده الرضا كما يقول المسيّب : ( فوالله لقد رأيتهم وهو يظنون أنهم يغسلونه ولا تصل أيديهم اليه ، ويظنون أنهم يحنطونه ويكفنونه ، وأراهم لا يصنعون به شيئاً ، ورأيت ذلك الشخص يتولى غسله وتحنيطه وتكفينه ، وهو يُظهر المعاونة لهم وهم لا يعرفونه )
*
فلما فرغ من تجهيزه قال ذلك الشخص : ( يا مسيب مهما شككت فيه فلا تشك فيّ ، فإني إمامك ومولاك وحجة الله تعال عليك بعد أبي ، يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق ، ومثلهم مثل اخوته ، حيث دخلوا فعرفه وهم له منكرون ) . وكان ذلك الشخص هو الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام .
*
وقد استشهد الامام وهو في عمر 55 عاماً في 25 رجب لسنة 183
وحُمل الامام الكاظم عليه السلام حتى دُفن في مقابر قريش واُمر برفع قبره أكثر مما اَمر به عليه السلام . ثم رفعو بعد ذلك قبره وبنوا عليه .
*
من زيارته
:

*
( اللهم صل على محمد وأهل بيته ، وصل على موسى بن جعفر وصي الأبرار ، وإمام الأخيار ، وعِيبة الأنوار ، ووارث السكينة والوقار ، والحكم والآثار ، الذي كان يحيي الليل بالسهر الى السحر بمواصلة الاستغفار ، حليف السجدة الطويلة ، والدموع الغزيرة ، والمناجاة الكثيرة ، والضراعات المتصلة ، ومقر النهى والعدل ، والخير والفضل ، والندى والبذل ، ومألف البلوى والصبر ، المضطهد بالظلم ، والمقبور بالجور ، والمعذب في قعر السجون ، وظلم المطامير ، ذي الساق المرضوض بحلق القيود ، والجنازة المنادى عليها بذل الاستحفاف ، والوارد على جده المصطفى ، وأبيه المرتضى ، وأمه سيدة النساء بإرث مغصوب ، وولاء مسلوب ، وأمر مغلوب ، ودم مطلوب ، وسم مشروب . اللهم وكما صبر على غليظ المحن ، وتجرع غصص الكرب ، واستسلم لرضاك ، وأخلص الطاعه لك ، ومحض الخشوع ، واستشعر الخضوع ، وعاد البدعة وأهلها ، ولم يلحقه في شيء من أوامرك ونواهيك لومة لائم ، صل عليه صلاة نامية منيفة زاكية ، توجب له بها شفاعة أمَمٍ من خلقك من براياك ، وبلغه عنا تحية وسلاماً ، وائتنا من لدنك في موالاته فضلاً واحساناً ومغفرة ورضواناً إنك ذو الفضل العميم ، والتجاوز العظيم برحمتك يا أرحم الراحمين )
*
اللهم ارزقنا زيارته في الدنيا ، وشفاعته في الآخرة

السبت، مايو 14، 2011

{ وبِـالـوالِـدَيْـنِ احْـسـانـا }



*

لقد أوصى الله تبارك وتعالى الانسان بوالديه ، وما لهما عليه من حقوق وواجبات ، منها أن يطيعهما إلا فيما يغضب الله ، ويبرهما ولا يكون عاقاً لهما .

وقد ذكر الله سبحانه آيات في القرآن الكريم في بر الوالدين

*

{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }

{ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ }

*

وأيضاً ، أوصى النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والائمة الأطهار بالوالدين ومعاملتهما بالاحسان والمعروف .

فلقد ورد في رسالة الحقوق للامام زين العابدين عليه السلام أنه قال :

*

( وأما حق أمك فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحداً ، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحداً ، وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرة بذلك فرحة ، موابلة محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها ، حتى دفعتها عنك يد القدرة ، وأخرجتك الى الارض . فرضيت أن تشبع وتجوع هي ، وتكسوك وتعرى ، وترويك وتظمأ ، وتظلك وتضحى ،وتنعمك ببؤسها وتتلذذ بالنوم بأرقها ، وكان بطنها لك وعاء ، وحجرها لك حواء ، وثديها لك سقاء ، ونفسها لك وقاء ، تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك فتشكرها على قدر ذلك فإنك لا تطيق شكرها ولا تقدر عليه إلا بعون الله وتوفيقه )

*

وفي حق الأب :
*

( وأما حق أبيك فتعلم أنه أصلك ، وأنك فرعه ، وأنك لولاه لم تكن ، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه . فاحمد الله واشكره على قدر ذلك . ولا قوة إلا بالله )

*

وإن في الدعاء للوالدين الخير الكثير والرزق الواسع . وكانوا آل البيت الأطهار يدعون لوالديهم ويحثون الناس على الدعاء للوالدين . وهذا الدعاء قد ورد في الصحيفة السجادية .

دعاء الامام زين العابدين عليه السلام للوالدين :

*

أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد عَبْـدِكَ وَرَسُولِـكَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ ، وَاخْصُصْهُمْ بِأَفْضَلِ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَبَرَكَاتِكَ وَسَلاَمِكَ ، وَاخْصُصِ اللَّهُمَّ وَالِدَيَّ بِالْكَرَامَةِ لَدَيْكَ ، وَالصَّلاَةِ مِنْكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .

*
أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَأَلْهِمْنِي عِلْمَ مَا يَجبُ لَهُمَا عَلَيَّ إلْهَاماً ، وَاجْمَعْ لِي عِلْمَ ذلِكَ كُلِّهِ تَمَامـاً ، ثُمَّ اسْتَعْمِلْنِي بِمَا تُلْهِمُنِي مِنْـهُ ، وَوَفِّقْنِي لِلنُّفُوذِ فِيمَا تُبَصِّـرُنِيْ مِنْ عِلْمِهِ ، حَتَّى لاَ يَفُوتَنِي اسْتِعْمَالُ شَيْء عَلَّمْتَنِيْهِ ، وَلاَ تَثْقُلَ أَرْكَانِي عَنِ الْحُفُوفِ فِيمَا أَلْهَمْتَنِيهِ .
*

أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ كَمَا شَرَّفْتَنَا بِهِ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ كَمَا أَوْجَبْتَ لَنَا الْحَقَّ عَلَى الْخَلْقِ بِسَبَبِهِ . أللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَهَابُهُمَا هَيْبَةَ السُّلْطَانِ الْعَسُوفِ ، وَأَبَرُّهُمَا بِرَّ الأُمِّ الرَّؤُوفِ ، وَاجْعَلْ طَاعَتِي لِوَالِدَيَّ وَبِرِّيْ بِهِمَا أَقَرَّ لِعَيْنِي مِنْ رَقْدَةِ الْوَسْنَانِ ، وَأَثْلَجَ لِصَدْرِي مِنْ شَرْبَةِ الظَّمْآنِ ، حَتَّى أوثِرَ عَلَى هَوَايَ هَوَاهُمَا وَأُقَدِّمَ عَلَى رِضَايَ رِضَاهُمَا ، وَأَسْتَكْثِرَ بِرَّهُمَا بِي وَإنْ قَلَّ وَأَسْتَقِلَّ بِرِّي بِهِمَا وَإنْ كَثُرَ .
*

اللَّهُمَّ خَفِّضْ لَهُمَا صَوْتِي ، وَأَطِبْ لَهُمَا كَلاَمِي ، وَأَلِنْ لَهُمَا عَرِيْكَتِي ، وَاعْطِفْ عَلَيْهِمَا قَلْبِي ، وَصَيِّرْنِي بِهِمَا رَفِيقاً ، وَعَلَيْهِمَا شَفِيقاً . اللَّهُمَّ اشْكُرْ لَهُمَا تَرْبِيَتِي وَأَثِبْهُمَا عَلَى تَكْرِمَتِي ، وَاحْفَظْ لَهُمَا مَا حَفِظَاهُ مِنِّي فِي صِغَرِي . اللَّهُمَّ وَمَا مَسَّهُمَا مِنِّي مِنْ أَذَىً أَوْ خَلَصَ إلَيْهِمَا عَنِّي مِنْ مَكْرُوه أَوْ ضَاعَ قِبَلِي لَهُمَا مِنْ حَقٍّ فَاجْعَلْهُ حِطَّةً لِذُنُوبِهِمَا ، وَعُلُوّاً فِي دَرَجَاتِهِمَا ، وَزِيَادَةً فِي حَسَنَاتِهِمَا ، يَا مُبَدِّلَ السَّيِّئاتِ بِأَضْعَافِهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ .
*

أللَّهُمَّ وَمَا تَعَدَّيَا عَلَيَّ فِيهِ مِنْ قَوْل ، أَوْأَسْرَفَا عَلَيَّ فِيْهِ مِنْ فِعْل ، أَوْ ضَيَّعَاهُ لِي مِنْ حَقٍّ أَوْ قَصَّرا بِي عَنْهُ مِنْ وَاجِب ، فَقَدْ وَهَبْتُهُ وَجُدْتُ بِهِ عَلَيْهِمَا ، وَرَغِبْتُ إلَيْكَ فِي وَضْعِ تَبِعَتِهِ عَنْهُمَا ، فَإنِّي لا أَتَّهِمُهُمَا عَلَى نَفْسِي ، وَلاَأَسْتَبْطِئُهُمَا فِي بِرِّي ، وَلا أكْرَهُ مَا تَوَلَّياهُ مِنْ أَمْرِي ، يَا رَبِّ فَهُمَا أَوْجَبُ حَقّاً عَلَيَّ ، وَأَقْدَمُ إحْسَانـاً إلَيَّ ، وَأَعْظَمُ مِنَّةً لَـدَيَّ مِنْ أَنْ أقَاصَّهُمَا بِعَدْل ، أَوْ أُجَازِيَهُمَا عَلَى مِثْل ، أَيْنَ إذاً يَا إلهِيْ طُولُ شُغْلِهِمَا بِتَرْبِيَتِي ؟ وَأَيْنَ شِدَّةُ تَعَبِهِمَا فِي حِرَاسَتِيْ ؟ وَأَيْنَ إقْتَارُهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا لِلتَّوْسِعَةِ عَلَيَّ؟ هَيْهَاتَ مَا يَسْتَوْفِيَانِ مِنِّي حَقَّهُمَا ، وَلاَ اُدْرِكُ مَا يَجِبُ عَلَيَّ لَهُمَا وَلا أَنَا بِقَاض وَظِيفَةَ خِدْمَتِهِمَا .
*

فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَأَعِنِّي يَا خَيْرَ مَنِ اسْتُعِينَ به . وَوَفِّقْنِي يَا أَهْدَى مَنْ رُغِبَ إلَيْهِ ، وَلاَ تَجْعَلْنِي فِي أَهْلِ الْعُقُوقِ لِلآباءِ وَالأُمَّهاتِ يَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَيُظْلَمُونَ . أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ وَذُرِّيَّتِهِ ، وَاخْصُصْ أَبَوَيَّ بِأَفْضَلِ مَا خَصَصْتَ بِهِ آبَاءَ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَاُمَّهَاتِهِمْ يَا أَرْحَمَ الـرَّاحِمِينَ . أللَّهُمَّ لاَ تُنْسِنِي ذِكْرَهُمَا فِي أَدْبَارِ صَلَوَاتِي وَفِي أَناً مِنْ آناءِ لَيْلِي ، وَفِي كُلِّ سَاعَة مِنْ سَاعَاتِ نَهَارِي .
*

أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاغْفِرْ لِي بِدُعَائِي لَهُمَا ، وَاغْفِرْ لَهُمَـا بِبِرِّهِمَـا بِي ، مَغْفِرَةً حَتْمـاً ، وَارْضَ عَنْهُمَا بِشَفَاعَتِي لَهُمَا رِضَىً عَزْماً ، وَبَلِّغْهُمَا بِالْكَرَامَةِ مَوَاطِنَ السَّلاَمَةِ . أللَّهُمَّ وَإنْ سَبَقَتْ مَغْفِرَتُكَ لَهُمَا فَشَفِّعْهُمَا فِيَّ ، وَإنْ سَبَقَتْ مَغْفِرَتُـكَ لِي فَشَفِّعْنِي فِيْهِمَا ، حَتّى نَجْتَمِعَ بِرَأفَتِكَ فِي دَارِ كَرَامَتِكَ وَمَحَلِّ مَغْفِرَتِكَ وَرَحْمَتِكَ ، إنَّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَالْمَنِّ الْقَدِيْمِ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ .

السبت، أبريل 16، 2011

i! هي الأملاكـْ تبكي لفقدكِ يا روح النبي !i




*

[ وتسألني عـن فـاطم ومصـابها تفـاصـيل مأســاة تـوالـت مآسـيا

فسـل ليلة تخفي الجروح بمتنها ونـعشاً عــلى كـفّ الاحـبّة عـاليا ]

* قال تعالى : { إنَا أعطيناك الكوثر * فصلِّ لربك وانحر * إنّ شانئك هو الأبتر }

*

حينما ادعت قريش على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أبتر ولا نسل له بعد أن مات ولده ابراهيم ، رزقه الله بدرة نفيسة ، شوكة تعمي عيون الظالمين وتخرس أفواههم ، نهر يجري ولا ينضب ماءه ولا ينتهي عطاؤه ، نور السماوات السبع فاطمة الزهراء عليها السلام ، وعلى أن كونها أنثى فهذا لا يعيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد بلغت الزهراء درجة لم يبلغها الرجال ، وأنجبت له بنين لم تقدر نساء زمانها على الانجاب بمثلهم . وعاشت أول سنين عمرها تحت ظل أباها محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمها خديجة عليها السلام ، وفقدت أمها وهي طفلة ، فرعاها أباها وتكفل بها وتكفلت به ، تسهر على راحته ومداراته ، حتى لُقبت بـ أم أبيها .

*

[ وبـيـتـكِ قـبـلـة ُ الأحـزان أمـسـى لـه يـعـقـوب يـسـجـد والـخـلـيـل ،، وعـيـنُ الأنـبـيـاء تـنـوحُ فـيـه ومـريـمُ فـيـهِ مـعـولـةَ تـجـولُ ]

*

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعظمها ويجلها ويقدرها ويحترمها كل الاحترام ، لقد كان لها مكان خاص في قلب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد روي عن عائشة أنها قالت : ( ما رأيت أحداً أشبه كلاماً وسمتاُ وهدياً برسول الله من فاطمة ، وكانت اذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها في مجلسه ، وكان اذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبّلتها وأجلسته في مجلسها ) ، هكذا كانت العلاقة بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابنته السيدة الزهراء عليها السلام ، اتصفت بصفاته وتحلت بأخلاقه ، وأصبح لسانها وحديثها أشبه بكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وكان من حبه لها أنه اذا نوى على السفر فإن آخر وجه يراه هو وجه فاطمة ، فقد قيل :( إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اذا سافر كان آخر الناس عهداً به فاطمة ) وأيضاً : ( واذا قدم من سفر كان أول الناس عهداً به فاطمة ) * ولما كان لفاطمة هذا الشأن العظيم عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأيضاً عند الله تبارك وتعالى ، لم يكن من السهل على رسول الله أن يزوجها بأي شخص ، فمثلها لا يستحق الا أفضل وأكمل وأطهر الرجال ، ولهذا لم يكن يصلح لها الا الامام علي عليه السلام ، فعن الامام الصادق عن جده النبي الأعظم عليهما السلام أنه قال : ( لولا أن الله تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين عليه السلام لفاطمة ، ما كان لها كفؤ على وجه الأرض ) .

*

كانا متكافئين من حيث التفكير والنسب والنشأة ، فكلاهما قد نشآ وتربا على يد النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، وأيضاُ كفاءة الروح والايمان والتقوى والعلم . ولقد زوجها الله تبارك وتعالى في أعالي السماوات وأمر حبيبه بتزويجهما في الأرض . وكانت في بيت علي كما كانت في بيت أباها ، زوجة بارة وفية ومخلصة ، تحفظ أسرار زوجها وترفع عنه الهم والغم والكرب ، وقد أكد الامام علي عليه السلام هذا الكلام عندما قالت له في آخر أيام حياتها : ( ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عرفتك ) فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام : ( أنت أبر وأتقى وأعرف بالله من أن أوبخك في شيء من ذلك ) .

*

ومما قاله الامام علي في حقها : ( ما أغضبتها مدة حياتي معها ولم تغضبني ولم تعصِ أمري مدة حياتها معي ) . فكانت نعم الزوجة المخلصة المطيعة لزوجها ، وكانت تحفظه وترعى بيته وعياله في فترات غيابه عنها عند الحروب والغزوات ، وتتحمل أعباء البيت لوحدها والله معها ، وكانت كفؤ لتحمل تلك المسؤولية بقلب صابر وايمان ثابت . وكان الوصي اذا رآها تنجلي عنه الهموم والغموم والمتاعب ، فوجهها المشرق كان كالبلسم الشافي لجراحه . فقد سئل العسكري عليه السلام عن سبب تسميتها بالزهراء فقال : ( كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين عليه السلام من أول النهار كالشمس الضاحية ، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب الدري )

*

وكانت عابدة زاهدة ، فقد روي عن الحسن المجتبى عليه السلام أنه قال : ( رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها ، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح ، وسمعتها تدعو للمؤمنين وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء ، فقلت لها : يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت : يا بني الجار ثم الدار ) كان بيت فاطمة وعلي عليهما السلام من أحب البيوت الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مع أنه كانت لديه زوجات وبيوت أخرى ، الا أنه كان يقصد ذلك البيت وكله محبة ولهفة اليه والى ساكنيه ، يجد بينهم الدفء والمودة فهم أهل بيته وخاصته وحامته ، لحمهم من لحمه ودمهم من دمه كما قال عنهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . ولما كان ذلك البيت من الشأن العظيم والحرمة ، فقد كان الرسول يأتي الى بيت فاطمة لمدة ستة أشهر ويقف عند باب البيت على مرأى ومسمع من الناس ويتلو هذه الآية : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } . وكان لا يدخل الى البيت الا عندما تفتح له الزهراء بنفسها ، وكانت تستغرب من فعله هذا وتقول له : ( أبه البيت بيتك والحرة كريمتك ) ، أي أنها تعني أنه مسموح له بالدخول متى شاء حتى بدون استئذان ، لكن الرسول العظيم أبى أن يفعل ذلك ليبين للناس أن لهذا البيت ولأهله مقام وحرمة كبيرة لا يجوز هتكها .

*

[ فـلأجـعـلـن الـلـيـل بـعـدكَ مُـونـسـي ॥ ولأجـعـلـنَّ الـدمـع فـيـكَ وِشـاحـِيـا ]

*

( عاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوماً لم تُر كاشرة ولا ضاحكة ، تأتي قبور الشهداء في كل أسبوع مرتين ، الاثنين والخميس ، فتقول : ها هنا كان رسول الله ، وها هنا كان المشركون )

*

وبعد وفاته التاعت لوعة شديدة وانهد ركنها وأظلم صباحها بفقده ، ومما زاد حزنها وبكاءها هو الظلم الذي وقع على زوجها بعد مواراة الحبيب الثرى ، فقد أنكروا أحاديث الرسول لعلي عليه السلام وأحقيته بالخلافة واغتصبوا ذلك الحق منه وبايعوه الناس .

ولم يبالي الامام علي بالذي جرى ، فقد كان كل همه هو جمع القرآن ولما انتهى منه كان الناس قد تقاسموا ما تقاسموه ونصبوا الخليفة . ولم يرضى الامام بالخروج لهم والبيعة ، وأخذت الزهراء تطوف حول البيوت مع ابنيها الحسن والحسين وهي تطالب الناس وتذكرهم بعهد عهدوه وبيعة بايعوها لعلي عليه السلام يوم الغدير حين نصبه الرسول وصياً له من بعده . وحين ضجر القوم من سكوت علي ، أحاطوا بيته بالحطب وهددوا بإحراقه ، ظلما وجورا ، وكان أول شهيد يسقط جراء تلك الفاجعة هو المحسن جنين الزهراء ، حين لاذت وراء الباب ، ذلك الباب نفسه الذي كان رسول الله يقف عليه ستة أشهر يتلو آية من القرآن الكريم ، وعندما علموا أنها وراء الباب فتحوه عليها فضغطوها وسقط جنينها شهيدا ، وانكسر ضلعها – فدتها ضلوعي - ، فنادت وسط آلامها وشجونها : ( يا فضة أدركيني فلقد والله أسقطوا جنيني ) ، وظلت تنزف بالدماء وتراهم يأخذون علياً سيد المتقين ويقيدوه ، وهو ينظر إليهم نظرة حاسر ، لم تكن القيود هي التي تمنعه بل كانت وصية أوصاها له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يسلم الروح الى خالقها ، أوصاه بالصبر والتحمل . وأخذوه الى المسجد ليبايع بالقوة ، فقامت الزهراء بآلامها وأحزانها تتكئ على ابنيها الحسن والحسين وهي تهتف وتقول خلفهم : ( خلوا عن ابن عمي ) ، حتى أفرج القوم عنه فأتى إليها مسرعاً يسأل عن حالها وأخذ بيدها وبيد أولاده وعادوا الى بيتهم يذرفون دمع الأسى .

*

ومن الظلم الذي وقع أيضاً على بضعة الرسول ، هو اغتصاب فدك منها ، وهي قطعة أرض وهبها لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته ، أي أنها ليست ورثاً يتقاسموه الورثة ، بل ملكاً للزهراء ، وقد صادروه منها بحجة أنها ورث وليس ملكها! وقد ضربوها بالسوط بأبي هي وأمي حينما طالبت بحقها منهم ، فغار ذلك الجرح الأليم في صدرها ونبت أحزاناً ، وأخفت ذلك عن أمير المؤمنين حتى يوم وفاتها . وفي يوم قامت من دارها متوجهة الى جامع الرسول والقوم فيه ، تمشي مشية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، عليها خمارها ، فلما وصلت اليهم خطبت فيهم خطبة اقشعرت أبدانهم من حروفها ، وهي العالمة المعلمة التي تربت في بيت كان مهبط الوحي ، وقد ابتدأت كلامها بالثناء على الله عز وجل وذكر أبيها صلى الله عليه وآله وسلم حيث قالت :


( الحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر على ما ألهم ، والثناء بما قدم ، من عموم نعم ابتداها ، وسبوغ آلاء أسداها ، وتمام منن أولاها ، جم عن الاحصاء عددها ، ونأى عن الجزاء أمدها ، وتفاوت عن الإدراك أبدها ، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها واستحمد إلى الخلائق بإجزالها ، وثنى بالندب إلى أمثالها . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كلمة جعل الإخلاص تأويلها ، وضمن القلوب موصولها ، وأنار في التفكر معقولها ، الممتنع من الأبصار رؤيته ، ومن الألسن صفته ، ومن الأوهام كيفيته ، ابتدع الأشياء لا من شئ كان قبلها ، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها كونها بقدرته ، وذرأها بمشيته ، من غير حاجة منه إلى تكوينها ، ولا فائدة له في تصويرها ، إلا تثبيتا لحكمته ، وتنبيها على طاعته ، وإظهارا لقدرته ، تعبدا لبريته وإعزازا لدعوته ، ثم جعل الثواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ، زيادة لعباده من نقمته ، وحياشة لهم إلى جنته . وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله اختاره قبل أن أرسله ، وسماه قبل أن اجتباه ، واصطفاه قبل أن ابتعثه ، إذ الخلائق بالغيب مكنونة ، وبستر الأهاويل مصونة ، وبنهاية العدم مقرونة علما من الله تعالى بما يلي الأمور ، وإحاطة بحوادث الدهور ، ومعرفة بموقع الأمور ابتعثه الله إتماما لأمره ، وعزيمة على إمضاء حكمه ، وإنفاذا لمقادير حتمه ، فرأى الأمم فرقا في أديانها ، عكفا على نيرانها ، عابدة لأوثانها ، منكرة لله مع عرفانها فأنار الله بأبي محمد صلى الله عليه وآله ظلمها ، وكشف عن القلوب بهمها ، وجلى عن الأبصار غممها ، وقام في الناس بالهداية ، فأنقذهم من الغواية ، وبصرهم من العماية ، وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم إلى الطريق المستقيم . ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار ، ورغبة وإيثار ، فمحمد صلى الله عليه وآله من تعب هذه الدار في راحة ، قد حف بالملائكة الأبرار ، ورضوان الرب الغفار ، ومجاورة الملك الجبار ، صلى الله على أبي نبيه ، وأمينه ، وخيرته من الخلق وصفيه ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته )

*

ثم قالت :

*

( أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه ، وحماة دينه ووحيه ، وأُمناء الله على أنفسكم ، وبلغاؤه إلى الاُمم ، وزعيم حقّ له فيكم ، وعهد قدّمه إليكم ، وبقية استخلفها عليكم ، كتاب الله الناطق ، والقرآن الصادق ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، بيّنة بصائره ، منكشفة سرائره ، متجلّية ظواهره ، مغتبطة به أشياعه ، قائد إلى الرضوان أتباعه ، مؤدٍّ إلى النجاة استماعه ، به تنال حجج الله المنوّرة ، وعزائمه المفسّرة ، ومحارمه المحذّرة ، وبيّناته الجالية ، وبراهينه الكافية ، وفضائله المندوبة ، ورخصه الموهوبة ، وشرائعه المكتوبة . فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك ، والصلاة تنزيهاً لكم من الكبر ، والزكاة تزكية للنفس ، ونماءً في الرزق ، والصيام تثبيتاً للاخلاص ، والحج تشييداً للدين ، والعدل تنسيقاً للقلوب ، وطاعتنا نظاماً للملّة ، وإمامتنا أماناً من الفرقة ، والجهاد عزّاً للاِسلام ، وذلاً لاَهل الكفر والنفاق ، والصبر معونةً على استيجاب الأجر ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مصلحةً للعامّة ، وبرّ الوالدين وقايةً من السخط ، وصلة الأرحام منسأةً في العمر ، والقصاص حقناً للدماء ، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة ، وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس ، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس ، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة ، وترك السرقة إيجاباً للعفّة ، وحرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية { فاتقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون } وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه { إنما يخشى الله من عباده العلماء } . أيُّها الناس أعلموا أني فاطمة وأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، أقولها عوداً على بدءٍ ، ولا أقول ما أقول غلطاً ، ولا أفعل ما أفعل شططاً { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } فإن تَعزُوه تجدوه أبي دون نسائكم ، وأخا ابن عمي دون رجالكم ، ولنعم المَعزيّ إليه صلى الله عليه وآله وسلم . *فبلّغ الرسالة ، صادعاً بالنذارة ، مائلاً عن مدرجة المشركين ، ضارباً ثَبَجَهم ، آخذاً بكظمهم ، داعياً إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، يجذّ الأصنام ، وينكت الهام ، حتى انهزم الجمع وولّوا الدبر ، وحتّى تفرّى الليل عن صُبحه ، وأسفر الحقّ عن محضه ، ونطق زعيم الدين ، وخرست شقاشق الشياطين ، وطاح وشيظ النفاق ، وانحلّت عقدة الكفر والشقاق ، وفهتم بكلمة الاخلاص ، في نفرٍ من البيض الخماص . وكنتم على شفا حفرةٍ من النار ، مَذقة الشارب ، ونُهزة الطامع ، وقبسة العجلان ، وموطىء الأقدام ، تشربون الطَّرق ، وتقتاتون القِدّ ، أذلّةً خاسئين ، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد اللُّتيا والتي ، وبعد أن مُني ببُهم الرجال ، وذؤبان العرب ، ومردة أهل الكتاب { كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله } أو نجم قرن للشيطان ، أو فغرت فاغرةٌ من المشركين ، قذف أخاه عليّاً في لهواتها ، فلا ينكفىء حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويخمد لهبها بسيفه ، مكدوداً في ذات الله ، مجتهداً في أمر الله ، قريباً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، سيّداً في أولياء الله ، مشمّراً ناصحاً ، مجّداً كادحاً ، وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون ، تتربصون بنا الدوائر ، وتتوكفّون الأخبار ، وتنكصون عند النزال ، وتفرّون من القتال . فلمّا اختار الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ، ظهرت فيكم حسيكة النفاق ، وسمل جلباب الدين ، ونطق كاظم الغاوين ، ونبغ خامل الأقلين ، وهدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم ، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم ، فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللغرّة فيه ملاحظين ، ثمّ استنهضكم فوجدكم خفافاً ، وأحمشكم فألفاكم غضاباً ، فوسمتم غير إبلكم ، وأوردتم غير شربكم ، هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لمّا يندمل ، والرسول لمّا يُقبَر ، بداراً زعمتم خوف الفتنة { ألا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين } .

*


فهيهات منكم ، وكيف بكم ، وأنّى تؤفكون ، وهذا كتاب الله بين أظهركم ، أموره ظاهرة ، وأحكامه زاهرة ، وأعلامه باهرة ، وزواجره لائحة ، وأوامره واضحة ، قد خلّفتموه وراء ظهوركم ، أرغبة عنه تدبرون ، أم بغيره تحكمون؟ { بئس للظالمين بدلا } ، { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } ثمّ لم تلبثوا إلاّ ريثما تسكن نفرتها ، ويسلس قيادها ، ثمّ أخذتم توردون وقدتها ، وتهيجون جمرتها ، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي ، وإطفاء نور الدين الجلي ، وإهماد سنن النبي الصفي ، تسرّون حَسواً في ارتغاء ، ونصبر منكم على مثل حَزّ المُدى ، ووخز السنان في الحشا . وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي من أبي { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون } أفلا تعلمون؟ بلى قد تجلّى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته . أيُّها المسلمون ، أأُغلب على إرثي ؟! يا ابن أبي قحافة ، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ، لقد جئت شيئاً فرياً ، أفعلى عمدٍ تركتم كتاب الله ، ونبذتموه وراء ظهوركم؟! إذ يقول : { وورث سليمان داوود } وقال فيما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريا عليه السلام إذ يقول : { ربّ هب لي من لدنك وليّاً * يرثني ويرث من آل يعقوب } ، وقال : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } ، وقال : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الانثيين } ، وقال : { إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين } وزعمتم أن لاحظوة لي ولا إرث من أبي ، ولا رحم بيننا ، أفخصّكم الله بآية أخرج منها أبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟! أم تقولون أهل ملّتين لا يتوارثان؟! أولست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟!

*


فدونكها مخطومة مرحولة ، تكون معك في قبرك ، وتلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، ونعم الزعيم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم إذ تندمون { ولكل نبأ مستقر } ، { فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم } )

*

وأسبغت في العتاب واللوم والتذكير بحقها وبمقامها من رسول الله وبآيات القرآن والوعد والوعيد . ولما أيست منهم ، رنت الى قبر الرسول نبث إليه لوعتها وأنشدت قائلة :

*

قَـد كـانَ بَـعـدكَ أنـبـاءٌ وهـنـبـثـة لَـو كـنـتَ شـاهـدهـا لَـم تـكـثـر الـخـطـبُ

إِنّـا فَـقَـدنـاكَ فَـقـدَ الأرضِ وابِـلـهـا وَاِخـتـلّ قـومـكُ فَـاِشـهـدهـم ولا تـغـبُ

أَبـدَت رجـالٌ لَـنـا نـجـوى صـدورهـم لَـمّـا مـضـيـت وحـالـت دونـك الـتـربُ

تـجـهّـمـتـنـا رجـال واسـتُـخِـفّ بـنـا لـمـا فُـقـدّت وكـلّ الإرثِ مـغـتـصـبُ

*

ولما مرضت الزهراء أتينها النساء لعيادتها وسألنها : ( كيف أصبحت من علتك يا بنت رسول الله؟ ) فأجابت : ( أصبحت والله عائفة لدنياكن ، قالية لرجالكن .. ) الى آخر خطبتها الطويلة فيهن .

*

ولما دنت الوفاة منها ، جلست مع أمير المؤمنين جلسة الوداع ، فوضعت رأسها في حجره ، تمتص الآلام اللي أثقلت ذلك الصدر ، وأوصته بوصاياها ، أوصته بأولادها خيراً وأن يتزوج بعدها بأمامة لترعى عيالها ، والوصية الأخيرة أن يغسلها من وراء حجاب وأن لا يشهد جنازتها من ظلما واغتصب حقها وأن يدفنها ليلاً ويسوي قبرها .
*

* [ نفسـي عـلـى زفراتـهـا محبـوسـةٌ ياليتـهـا خـرجــت مـــع الـزفــرات

لا خـيـر بـعـدكِ فـي الـحـيـاة وإنـمـا أبـكـي مـخـافـة أن تـطـول حـياتـي ]

*

وأتى اليوم الموعود ، يوم رحيل روح الزهراء من دار الدنيا ، قامت في ذلك اليوم وكانت قد أرسلت زينب ابنتها الى بيت من بيوت الهاشميات ، لا تريد لصغريتها أن تشهد لحظات موتها ، جهزت طعام أبنائها ، وجهزت ملابسهم والدموع تجري من عينيها ، ثم اغتسلت ولبست ثيابا جديدة طاهرة وفرشت سجادتها وأخبرت أسماء أنها داخلة على حجرتها تقرأ القرآن ، فإذا سكت صوتها لتناديها وإن لم تجبها لتعلم أن روحها قد فارقت الدنيا . فجلست أسماء تسمع صوت ترتيل الزهراء لآيات من القرآن الكريم ، فلما سكت صوت الزهراء وهدأت أنفاسها ، ذعرت أسماء فنادتها : ( يا أم الحسن والحسين ) لم تجبها : ( يا بنت محمد المصطفى ) ، فلم تجبها ، ودخلت اليها وكشفت عنها وكانت قد فارقت الحياة .

*

ورجع الحسنان عليهما السلام إلى الدار ، فبادرا يسألان أسماء عن أمّهما ، فحارت بماذا تجيب سيداها ، فقالت لهما : ( إن أمكما نائمة ) فقالا : ( يا أسماء ما هذا وقت نومها بل وقت عبادتها ) فأحضرت لهما الطعام ، الطعام الذي حضرته الزهراء لهما وكان آخر طعام يأكلاه من صنع يد أمهما ، فقالا لها باستغراب : ( أسماء متى رأيتنا نأكل وأمنا ليست معنا؟! ) فاحتارت ماذا تقول وكان الدمع قد فاض منها ، فأسرع الحسنان الى دار أمهما ووجدوها ساكنة هادئة فوقع عليها الحسن عليه السلام وهو يقول : ( يا أُمَّاه ، كلميني قبل أن تفارق روحي بدني )


وألقى الحسين عليه السلام نفسه عليها وهو يَعجُّ بالبكاء قائلاً : ( يا أُمَّاه ، أنا ابنك الحسين كلميني قبل أن ينصدع قلبي ) * فأسرعا الى الى أبيهما علي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باكيان ذارفين دموع الفراق . فلما وصلا الى أمير المؤمنين وكان حوله جمع من الناس أخبراه فهزّه الخبر الفجيع وقال : ( بمن العزاء يا بنت محمد كنتُ بِكِ أتعزَّى ، فَفِيمَ العزاء من بعدك )

*

فأسرع الى الدار ولما نظر الى جثمانها كادت روحه أن تزهق ، فهذه رفيقة دربه وتوأم روحه قد فارقته وهي في ريعان شبابها الثامن عشر । واجتمع الناس باكين عند باب الدار فأخبرهم بأنه قد تم تأجيل الجنازة . وفي تلك العشية أخذ يغسلها وكانت تعاونه أسماء على ذلك ، ولما وصل الى ضلعها المكسور ارتجف حزناً وكمداً وتوجه الى زاوية ووضع رأسه على ركبتيه وغرق في البكاء .

*
[ يـا بـضـعـةَ الـمـخـتـار مـا فـقـدكِ إلاّ بـلاءٌ هـدَّ ركـنَ الـجـبـال

قـد قـطـعـوا الـوصـال مـا بـيـنـنـا فـمـن يـشـدُّ الآن حـبـلَ الـوصـال ]

*

فأتت اليه أسماء وقالت : ( مولاي أتأمرنا بالصبر وتجزعون؟ )

فقال لها : ( يا أسماء لا على فاطمة أبكي وإن عز عليّ فراقها ، ولكني لمست ضلعا من أضلاعها مكسورا )
*

ولما حنطها وكفنها دعى بأبنائها لكي يودعوها الوداع الأخير ، فأتى الحسنان ووقعا على صدرها وهما يناديانها ويبكيان والامام علي ينظر اليهما وقد تصدع قلبه من الحزن ، ثم حدث أمراً يخبرنا به الامام علي عليه السلام : ( والعيش الذي بيني وبين فاطمة لقد سمعتها حنّت و أنّت و رفعت يديها و ضمت الحسنين الى صدرها ، حتى سمعت هاتفاً من السماء يقول، يا عليّ نحّ الحسنين عن بدن أمّهما فلقد أبكيا والله ملائكة السّماء )

*

وأتت صغيرتها زينب ذات الخمس سنين وألقت بنفسها على جسد أمها وهي تبكي أشد البكاء . ولما نامت العيون وهدأت الأنفاس ، أخرج الامام علي جنازة فاطمة مع أبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر وجمع من الهاشميين ودموعهم تجري ، الى أن صلى عليها الامام وواراها الثرى ، ووجه وجهه الى حيث قبر النبي وقال :
*

( السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك ، والسريعة اللحاق بك ، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري ، ورق عنها تجلدي إلا أن لي في التأسي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك موضع تعزّ ، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك ، وفاضت بين نحري وصدري نفسك ، فإنا لله وإنا اليه راجعون . فقد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة ، أما حزني فسرمد ، وأما ليلي فمسهّد ، الى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم . وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال ، واستخبرها الحال ، هذا ولم يطل العهد ، ولم يخل منك الذكر ، والسلام عليكما سلام مودع ، لا قالٍ ولا سئم ، فإن انصرف فلا عن ملالة ، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين )

*

وأقام عند قبرها يدعو لها ويتلو القرآن تنفيذاً لوصيتها . وغفى غفوة فرأى الزهراء أتت وقالت له : ( يا أبا الحسن عجّل بالرجوع الى الدار ) ، فسألها : ( لماذا؟ نفسي لاتطاوعني أن أفارق قبركِ يابنت رسول الله )
*

فقالت عليها السلام : ( يا أبا الحسن إن ابنتي زينب انتبهت مرعوبة من منامها ، ونظرت الى حجرتي فلم تجدني ، وهي الآن تنادي : أماه فاطمة أين أنتِ؟ ) . فعاد أمير المؤمنين عليه السلام الى الدار مسرعاً ، وأخذ ابنته زينب و ضمها الى حجره ، يطيب قلبها و يمسح دموع اليتيمة .

*

[ لا تـتـركـيـنـي يـا ابـنـةَ الـمـصـطـفـى خـيـل الـرَّدى تُـبـدي عـلـيَّ الـصَّـهـيـل

إنْ غِـبـتِ عـن عـمـري فـيـا ضـيـعـتـي مِـن أيـن لـلـصـدر بـقـلـبٍ بـديـل ]

*

أوصى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قبل وفاته الامام علي بأولاده الحسن والحسين حيث قال : ( يا أبا الريحانتين ، أوصيك بريحانتيّ من الدنيا ، فعن قليل ينهدُّ ركناك ، والله خليفتي عليك )
*

ولما قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( هذا أحد ركني الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )

ولما فجع بوفاة الزهراء قال : ( هذا الركن الثاني الذي قال لي رسول الله ) وكان علي يزور قبرها كثيراً ويرثيها ومن مراثيه :

*

أرى عـلـل الـدنـيـا عـلـيّ كـثـيـرة وصـاحـبـهـا حـتـى الـمـمـات عـلـيـل

لـكـل اجـتـمـاع مـن خـلـيـلـيـن فـرقـةٌ وكـل الـذي دون الـفـراق قـلـيـل

وإن افـتـقـادي فـاطـمٌ بـعـد أحـمـدٍ دلـيـل عـلـى أن لا يـدوم خـلـيـل

*

وأيضاً :

*

مـالـي وقـفـت عـلـى الـقـبـور مـسـلـمـاً قـبـر الـحـبـيـب فـلـم يـردَّ جـوابـي أحـبـيـبُ مـالـك لا تـردُّ جـوابـنـا أنـسـيـت بـعـدي خُـلَّـةَ الأحـبـاب

قـال الـحـبـيـبُ وكـيـف لـي بـجـوابـكـم وأنـا رهـيـنُ جـنـادلٍ وتـراب

أكـل الـتـرابُ مـحـاسـنـي فـنـسـيـتـكـم وحُـجـبـتُ عـن أهـلـي وأصـحـابـي

فـعـلـيـكـم مـنـي سـلامٌ تـقـطَّـعـت مـنـي ومـنـكـم خـلَّـةُ الأحـبـاب

السبت، أبريل 09، 2011

وبـ زينب نتغنى .. ܤ

*

إن كان للفخر معلم فـ تاج زينته زَيْـنَـب

وإن كان الصبر جبل قد زلزلته زَيْـنَـب

وإن كان للحياء ستر فـ ذا خدره زَيْـنَـب

وإن تحيّر الصبر يوماً فـ في الطف زَيْـنَـب

وإن كنت باكياً لـ حسينٍ فـ كيف لا تذكر زَيْـنَـب

زين آل محمد فـ ليشهد ربي أني أحب زَيْـنَـب

*

رزق الامام علي والزهراء عليهما السلام بالحسن ثم الحسين عليهما السلام ، وكانا بهجة قلبيهما وفلذتا كبد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان يكثر حملهما وتقبيلهما ويغدق عليهما من حبه وحنانه ، واكتمل النور الساطع والشعاع الزاهر حينما أشرقت زينب على الدنيا ، في الخامس من جمادي الأول لعام ستة من الهجرة . وكان لهذه البنت مقام كبير وعظيم من صغرها عند الله تعالى ، فقد سماها الله عز وجل بزينب ، ومعناه زينة أبيها ، وهذا يدل على أن مسيرة زينب في الحياة ستكون مصدر فخر واعتزاز لوالدها العظيم ، وبالفعل كان ذاك فكلما كانت الناس تسمع منطق زينب تتذكر كلام الامام علي عليه السلام ، وكلما كانت ترى ثبات ورباطة جأشها تتذكر شجاعة علي في المعارك والغزوات . وعندما ولدت انتظرت الزهراء والامام علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتسمية الطفلة كالعادة ، وهبط جبريل على النبي الأعظم في ذلك البيت وقال له : ( يا رسول الله ، إن الله يسلم عليك ويقول لك سمّ مولودة فاطمة زينب ، فإنا كتبنا اسمها في اللوح المحفوظ ) . وهكذا فعل الرسول .

*

ومنذ ولادتها ، ذرف جدها دموع الحزن حتى سالت على خديه فسألته الزهراء عن سبب بكائه فقال : ( يا فاطمة اعلمي أن هذه البنت ستبتلي ببلايا وترد عليها مصائب شتى ورزايا ) ، ثم ضمها رسول الله وأضاف : ( أوصيكم بها فهي شبيهة خديجة الكبرى ) ولما أتى سلمان الفارسي الى رسول الله في المسجد لكي يهنأه بهذه المولودة بكى وقال له : ( يا سلمان أخبرني جبريل عن الله عز وجل أن مصائب هذه المولودة لا حد لها ، وستبتلي بمصائب كربلاء

وقد تربت ونشأت مع أخويها الحسن والحسين في ظل الرسول الاعظم والزهراء والامام علي في بيت الرسالة والوحي ، فكبرت امرأة صالحة عابدة زاهدة ، صابرة مجاهدة ، عالمة فقيهة । وبعد رزية وفاة جدها ، لم تكد تنشف دموعها حتى فقدت أمها بعده بأشهر قليلة ، وعاشت تحت ظل أبيها العظيم ثم الحسن وأخيراً الحسين ، ولم تبقى في دار الدنيا بعد واقعة الطف الا سنة واحدة .

*

السلام عليك يا سلالة من تحصى فضائله ولا تستقصي مناقبه ، السلام عليك يا نبعة المبعوث بالرساله ومنقذ العباد من الجهالة وحيرة الظلالة والعظيم المظلل بالغمام والنور المهتدي به في الليالي والأيام حبيب إله العالمين سيدنا أبي القاسم محمد بن عبدالله ورحمة الله وبركاته

السلام عليك يا ابنة سيد الأوصياء وركن الأولياء وعماد الأصفياء أمير المؤمنين ويعسوب المتقين وقدوة الصديقين وإمام الصالحين ورحمة الله وبركاته .

*

اللهم ارزقنا زيارتها في الدنيا ، وزيارة أخيها الحسين ، وفي الآخرة شفاعة جدها صلى الله عليه وآله وسلم

السبت، فبراير 26، 2011

°•.♥.•° غالي ترابك يا وطني حبك نهر دمانا °•.♥.•°

*
[ الـلـهـم صـل عـلـى مـحـمـد وآل مـحـمـد ]
*
تمر علينا في هذه السنة ، عام 2011 ، الذكرى الخمسون للاستقلال في تاريخ 25 فبراير منذ عام 1961
والذكرى العشرون على تحرير كويتنا الحبيبة من الغزو العراقي الغاشم في تاريخ 26 فبراير منذ عام 1991
وعلى مضي خمس سنين على تولي صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح مقاليد الحكم منذ عام 2006
*
وبهذه المناسبة أقامت البلاد احتفالات كبيرة وكثيرة ، أدام الله علينا الفرحة .
ولأنني أحب الشعر مذ كنت صغيرة ، قصصت شعراً طويلاً عن الكويت ، أحببت القصيدة كثيراً فقررت الاحتفاظ بها ، ولا أعرف الشاعر . وقررت وضعها هنا بمناسبة هذه الأيام .
*
قـلـت الـكــــويت فـهـزنـي مـا أكــتـــم
مـن صــــبـوة تـمـلـي عـلـيّ وأنـظـــم
*
وخـواطـر تـوحـي ومـن ايـحــــائـهـــا
صـور مـن الـمـاضـي تـجــــل وتـعـظـم
*
فـظـلـلت أكـتـب والـقـصـيـدة تـنـتـشـي
ولـــســان حـال خـواطــــــري يـتـكـلـم
*
يـصـف انـطـلاقــــــتـي الـتـي لا تـنـثـنـي
وهـوى سـفـيـنـتـي الـتــي لا تـهــــــــزم
*
فـــــي لـجـــــــة مــــلأت بـكـــل مـــنـيـة
وبِـقـــــاعـهـا سَـكَـــن الـقـضـاء الـمـحـكـم
*
شـــرقــــــاً وغـربـاً والـريـاح تـعـيــنـنـي
ودلـــــيــــل رحـلـتـــي الـسـهـي والأنـجـم
*
لا أبــــتـغـي غـيـر الـكـرامـــــة والـعُــــلا
ومـــكـاسـب مـنـهــــا أعـيـــــش وأسـلــم
*
حـتــــى اذا مــــلأ الـبـعــــاد جـوانـحــــي
وجْـــداً ، وأضـنـانــــي فـؤادي الـمـغــرم
*
يـمـمـــت نـاحـيـــة الـكـويـت ولـيـس بـي
شــــوقٌ لـغـيــــر تُـرابـهــــا يـتـضــــَّرم
*
وقــــضـيـت عـمـري فـي هـواهــا طـاعـة
وعـلـــى انـقـضـاء الـعـمــــــر لا أتـنـــدم
*
ورسـمـت وجـهـــي مـن مـلامـــح رمـلـهـا
ومـن الـشـواطـئ سـال فـي عـرقــــي الـدم
*
فــأنــا كــــــويــــــتـــــــــي وكــل خــلــيــة
مــنـــي تــقـــــول كــمــــا أقــول وتــقــسِـــم
*
وأنــا بــكـــل صــغــيـــــــــرة وكــبــيـــــــرة
فــي بــرهــــا أو بــحـرهـــــا تــــتــقـــــــدم
*
وأنـــا انـطـلاقــــــة يـومـهــــا ومسيرهـــــا
نـــحـو الـعُــــلا ، وأنـا الـغــــد الـمـتـحـــتـم
*
قــــد جـئــــت مـن رحــــم الـصـــمـــــــــود
يـحــــــدو بـهـــا شــــوق عــــظـيـم مـحـــدم
*
أمـــشـي وتـتــبـعــــنـي الــــكــــرامـــــــــة
فــــي مـوكـــــبٍ عــــزمـــاتـه تـــتـرنــــــم
*
حـتـى اذا مـــلأَ الـفـــضــــاء غــــنـــاؤهـــا
وغـــــدوت مـثــل سـحـابــــة تـتـبـســـــــم
*
أمـطـرت صـحــــراء الـكـويــــــت وزنـتــهـا
بـتـطــــور مـثـل الـزهــــــور يـنـظــــــــــــم
*
ثـم ألـتـفــــــت بـكـــــل مــــا مـلـكــــت يـدي
لـنــــداء أمـتـــــــــنـا الـتــــي تـتـــــــــــألـم
*
ونـسـجـــت مـن جـسـدي الـضـمـاد ومـن دمـي
كـان الــدواء لـجـرحـــــــهــا والـبـلـســـــــــم
*
وفـتــــحـت قـلـبـــي لـلأحـــبـــة مـنــــــــــزلاً
وهـــل الـعـــــروبـة غـيـر قـــــلـب يـرحــــــم
*
أنـا يـا كـــــــويـــــــت مـن الـمـحـبــــــــــــة
ومـن انـشـغـال الـقـلـب فـيــــــك مـتـيَّــــــــم
*
كـــيـف الـسـبـيــل لـكـي أفـــيـق مــن الهــــوى
وهــــــــواي أكـبـر مـن حـشــــــاي وأعـظـــم
*
وبـأي قـافــيــــــة أتـرجـــــم نـشـــــوتــــــي
وقــــد ازدهـــى مـا كـنـت فـيـه أحـلـــــــــــم
*
حـيــن انـجـــلـت شـمـس الـصـراحـة وانـجـلـى
مـن بـعـد طـــلـعــتـهـا الـظـــــلام الـمـبـهـــم
*
وفـتـحـت بـابــــــــك لـــلـضــــيـــــــــــــــاء
آراء شـــعــــب فـيــــــــــك لا يـتـــقـــــــسَّـم
*
فـتـعـطّـفــــــــــــي يـا أمـنــــــــــــــــــــــــا
وتـكـرَّمــــي يـا خـيــــــر مـن يـتـكــــــــــرم
*
وتـمـخَّـضـي - مـن بـعـد تـجـربـة مـضــــت -
عـن حـنـكــــــة فـي ظـــلـهـــا نـتـقــــــــوم
*
وتـكــون هـيـبـتـهـــا عـلـى الـجـانـــي يـــداً
ويــــــداً لـمـن يـشـكــــــو ومـن يـتـظـلـــــم
*
يـا قـبـلـــــــة الأحـــــــلام والأمـل الـــــــذي
تـتـحـطـــــــم الـدنـيــــــــا ولا يـتـحـطــــــم
*
حـاولــــــت كـتـــــــم مـشـاعـــري لـكـنـنـي
عـبـثـــــــاً أحـــاول كـتــم مـا لا يــكـتــــــــم
*
أومــــــا عـلـمـت بـأنـنـي لـي مـهـجـــــــــة
بـســــــواكِ لا تـحـيـــا ولا تـتـنـعـــــــــــــم
*
وبـأن نــــــار تـشـوقــــــــي لا تـنـطـفــــي
إلا اذا حــــــــل الـقـضـاء الـمـبـــــــــــــرم
*
ولـربـمــــا مـن بـعــد مـوتــــــــي يـشـتـكـي
قـبـــــــري تـولـدهــــــا ومـنـهـا يـهــــــــدم
*
وأعــــــــود ثـانـيــــة الـى الـدنـيــــــــــــــا
بـتـــــذكـر الـمـاضــــــي يـعـود الـمـعــــــدم
*
وأكــــــون فـي حـبــــــــتات رمـلــــك عـزة
وعـلـى الـشـــــــواطـئ مـوجـة لا تـظــلــــم
*
أو نـجـمـة تـهـــــــــدي إلـيـك ضياءهـــــــا
وعـلـيـــــك مـن كـبـد الـسـمـــــــــاء تـسـلـم
*
لا تـسـألـــي الأيـام عـنـي والــــــــــــــورى
فـأنـا بـحـبـك يـا كــــــــويـــــــت مـتـيَّــــــم
*
اللهم احفظ هذا البلد آمناً ، وابعد عنه شر كل حاسد وكل ظالم يريد سوءً بها .

الأحد، فبراير 20، 2011

*! زيارة الناحية المقدسة !*


*
نقلت هذه الزيارة عن سيدي ومولاي الحجة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وهي من الزيارات المطلقة التي يزار بها في يوم عاشوراء وغيرها من سائر الأيام . وفيها وصفاً دقيقاً لما جرى على أبي عبدالله الحسين عليه السلام في ظهر اليوم العاشر من المحرم ، وما جرى على أهل بيته ، وتحتوي على عبارات أليمة تدمي القلب من هول المصاب ، وتدعو الدمع الى التساقط والانهمار .
*
زيارة الناحية المقدسة :
*
السلام على آدم صفوة الله من خليقته ، السلام على شيث ولي الله وخيرته ، السلام على إدريس القائم لله بحجته ، السلام على نوح المجاب في دعوته ، السلام على هود الممدود من الله بمعونته ، السلام على صالح الذي توّجه لله بكرامته ، السلام على إبراهيم الذي حباه الله بخلته ، السلام على اسماعيل الذي فداه الله بذبح عظيم من جنته ، السلام على اسحاق الذي جعل الله النبوة في ذريته ، السلام على يعقوب الذي رد الله عليه بصره برحمته ، السلام على يوسف الذي نجّاه الله من الجب بعظمته ، السلام على موسى الذي فلق الله البحر له بقدرته ، السلام على هارون الذي خصه الله بنبوّته ، السلام على شعيب الذي نصره الله على أمّته ، السلام على داوود الذي تاب الله عليه من خطيئته ، السلام على سليمان الذي ذلت له الجن بعزته ، السلام على أيوب الذي شفاه الله من علته ، السلام على يونس الذي أنجز الله له مضمون عدته ، السلام على عزير الذي أحياه الله بعد موتته ، السلام على زكريا الصابر في محنته ، السلام على يحيى الذي أزلفه الله بشهادته ، السلام على عيسى روح الله وكلمته .
*
السلام على محمد حبيب الله وصفوته ، السلام على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المخصوص بإخوَّته ، السلام على فاطمة الزهراء ابنته ، السلام على أبي محمد الحسن وصي أبيه وخليفته ، السلام على الحسين الذي سمحت نفسه بمهجته ، السلام على من أطاع الله في سره وعلانيته ، السلام على من جعل الله الشفاء في تربته ، السلام على من الإجابة تحت قبته ، السلام على من الأئمة من ذريته . السلام على ابن خاتم الأنبياء ، السلام على ابن سيد الأوصياء ، السلام على ابن فاطمة الزهراء ، السلام على ابن خديجة الكبرى ، السلام على ابن سدرة المنتهى ، السلام على ابن جنة المأوى ، السلام على ابن زمزم والصفا . السلام على المرمل بالدماء ، السلام على المهتوك الخباء ، السلام على خامس أصحاب أهل الكساء ، السلام على غريب الغرباء ، السلام على شهيد الشهداء ، السلام على قتيل الأدعياء ، السلام على ساكن كربلاء ، السلام على من بكته ملائكة السماء ، السلام على من ذريته الأزكياء ، السلام على يعسوب الدين ، السلام على منازل البراهين . السلام على الأئمة السادات ، السلام على الجيوب المضرجات ، السلام على الشفاه الذابلات ، السلام على النفوس المصطلمات ، السلام على الأرواح المختلسات ، السلام على الأجساد العاريات ، السلام على الجسوم الشاحبات ، السلام على الدماء السائلات ، السلام على الأعضاء المقطعات ، السلام على الرؤوس المشالات ، السلام على النسوة البارزات .
*
السلام على حجة رب العالمين ، السلام عليك وعلى آبائك الطاهرين ، السلام عليك وعلى أبنائك المستشهدين ، السلام عليك وعلى ذريتك الناصرين ، السلام عليك وعلى الملائكة المضاجعين ، السلام على القتيل المظلوم ، السلام على أخيه المسموم . السلام على علي الكبير ، السلام على الرضيع الصغير ، السلام على الأبدان السليبة ، السلام على العترة القريبة ، السلام على المجدلين في الفلوات ، السلام على النازحين عن الأوطان ، السلام على المدفونين بلا أكفان ، السلام على الرؤوس المفرقة عن الأبدان . السلام على المحتسب الصابر ، السلام على المظلوم بلا ناصر ، السلام على ساكن التربة الزاكية ، السلام على صاحب القبة السامية ، السلام على من طهَّره الجليل ، السلام على من افتخر به جبرئيل ، السلام على من ناغاه في المهد ميكائيل . السلام على من نكثت ذمته ، السلام على من هتكت حرمته ، السلام على من أريق بالظلم دمه ، السلام على المغسل بدم الجراح ، السلام على المجرع بكاسات الرماح ، السلام على المضام المستباح ، السلام على المنحور في الورى ، السلام على من دفنه أهل القرى . السلام على المقطوع الوتين ، السلام على المحامي بلا معين ، السلام على الشيب الخضيب ، السلام على الخد التريب ، السلام على البدن السليب ، السلام على الثغر المقروع بالقضيب ، السلام على الرأس المرفوع ، السلام على الأجسام العارية في الفلوات ، تنهشها الذئاب العاديات ، وتختلف إليها السباع الضاريات ، السلام عليك يا مولاي وعلى الملائكة المرفرفين حول قبتك ، الحافين بتربتك ، الطائفين بعرصتك ، الواردين لزيارتك . السلام عليك فإني قصدت إليك ، ورجوت الفوز لديك ، السلام عليك سلام العارف بحرمتك ، المخلص في ولايتك ، المتقرب إلى الله بمحبتك ، البري‏ء من أعدائك ، سلام من قلبه بمصابك مقروح ، ودمعه عند ذكرك مسفوح ، سلام المفجوع الحزين ، الواله المستكين ، سلام من لو كان معك بالطفوف ، لوقاك بنفسه حد السيوف ، وبذل حشاشته دونك للحتوف ، وجاهد بين يديك ، ونصرك على من بغى عليك ، وفداك بروحه وجسده وماله وولده ، وروحه لروحك فداء ، وأهله لأهلك وقاء . فلئن أخرتني الدهور ، وعاقني عن نصرك المقدور ، ولم أكن لمن حاربك محاربا ، ولمن نصب لك العداوة مناصبا ، فلأندبنك صباحا ومساء ، ولأبكين لك بدل الدموع دما ، حسرة عليك وتأسفا على ما دهاك وتلهفا حتى أموت بلوعة المصاب ، وغصة الاكتياب .
*
أشهد أنك قد أقمت الصلاة ، وآتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر والعدوان ، وأطعت الله وما عصيته ، وتمسكت به وبحبله فأرضيته ، وخشيته وراقبته واستجبته ، وسننت السنن ، وأطفأت الفتن . ودعوت إلى الرشاد ، وأوضحت سبل السداد ، وجاهدت في الله حق الجهاد ، وكنت لله طائعا ، ولجدك محمد صلى الله عليه وآله وسلم تابعا ، ولقول أبيك سامعا ، وإلى وصية أخيك مسارعا ، ولعماد الدين رافعا ، وللطغيان قامعا ، وللطغاة مقارعا ، وللأمة ناصحا ، وفي غمرات الموت سابحا ، وللفساق مكافحا ، وبحجج الله قائما ، وللإسلام والمسلمين راحما ، وللحق ناصرا ، وعند البلاء صابرا ، وللدين كالئا ، وعن حوزته مراميا . تحوط الهدى وتنصره ، وتبسط العدل وتنشره ، وتنصر الدين وتظهره ، وتكف العابث وتزجره ، وتأخذ للدني من الشريف ، وتساوي في الحكم بين القوي والضعيف ، كنت ربيع الأيتام ، وعصمة الأنام ، وعز الإسلام ، ومعدن الأحكام ، وحليف الإنعام ، سالكا طرائق جدك وأبيك ، مشبها في الوصية لأخيك ، وفيّ الذمم رضيّ الشيم ، ظاهر الكرم ، متهجدا في الظلم ، قويم الطرائق ، كريم الخلائق ، عظيم السوابق ، شريف النسب ، منيف الحسب ، رفيع الرتب ، كثير المناقب ، محمود الضرائب ، جزيل المواهب . حليم رشيد ، منيب جواد ، عليم شديد ، إمام شهيد ، أواه منيب ، حبيب مهيب ، كنت للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولدا ، وللقرآن سندا ، وللأمة عضدا ، وفي الطاعة مجتهدا ، حافظا للعهد والميثاق ، ناكبا عن سبل الفساق ، وباذلا للمجهود ، طويل الركوع والسجود ، زاهدا في الدنيا ، زهد الراحل عنها ، ناظرا إليها بعين المستوحشين منها ، آمالك عنها مكفوفة ، وهمتك عن زينتها مصروفة ، وإلحاظك عن بهجتها مطروفة ، ورغبتك في الآخرة معروفة ، حتى إذا الجور مد باعه ، وأسفر الظلم قناعه ، ودعا الغي أتباعه . وأنت في حرم جدك قاطن ، وللظالمين مباين ، جليس البيت والمحراب ، معتزل عن اللذات والشهوات ، تنكر المنكر بقلبك ولسانك ، على حسب طاقتك وإمكانك . ثم اقتضاك العلم للإنكار ، ولزمك أن تجاهد الفجار ، فسرت في أولادك وأهاليك وشيعتك ومواليك ، وصدعت بالحق والبينة ، ودعوت إلى الله بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وأمرت بإقامة الحدود ، والطاعة للمعبود ، ونهيت عن الخبائث والطغيان ، وواجهوك بالظلم والعدوان ، فجاهدتهم بعد الايعاز إليهم ، وتأكيد الحجة عليهم ، فنكثوا ذمامك وبيعتك ، وأسخطوا ربك وجدك ، وبدؤوك بالحرب ، فثبتَّ للطعن والضرب ، وطحنت جنود الفجار ، واقتحمت قسطل الغبار ، مجاهدا بذي الفقار ، كأنك علي المختار ، فلما رأوك ثابت الجأش ، غير خائف ولا خاش ، نصبوا لك غوائل مكرهم ، وقاتلوك بكيدهم وشرهم ، وأمر اللعين جنوده ، فمنعوك الماء ووروده ، وناجزوك القتال وعاجلوك النزال ، ورشقوك بالسهام والنبال ، وبسطوا إليك أكف الاصطلام ، ولم يرعوا لك ذماما ، ولا راقبوا فيك آثاما ، في قتلهم أولياءك ، ونهبهم رحالك ، وأنت مقدم في الهبوات ، ومحتمل للأذيات ، قد عجبت من صبرك ملائكة السماوات ، فأحدقوا بك من كل الجهات ، وأثخنوك بالجراح ، وحالوا بينك وبين الرواح ، ولم يبق لك ناصر ، وأنت محتسب صابر ، تذب عن نسوتك وأولادك ، حتى نكسوك عن جوادك ، فهويت إلى الأرض جريحا ، تطؤك الخيول بحوافرها ، و تعلوك الطغاة ببواترها ، قد رشح للموت جبينك ، واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك ، تدير طرفا خفيا إلى رحلك وبيتك ، وقد شغلت بنفسك عن ولدك وأهاليك . وأسرع فرسك شاردا إلى خيامك ، قاصدا محمحما باكيا ، فلما رأين النساء جوادك مخزيا ، ونظرن سرجك عليه ملويا ، برزن من الخدور ناشرات الشعور ، على الخدود لاطمات الوجوه سافرات ، وبالعويل داعيات ، وبعد العز مذللات ، وإلى مصرعك مبادرات ، والشمر جالس على صدرك ، مولغ سيفه على نحرك ، قابض على شيبتك بيده ، ذابح لك بمهنده ، قد سكنت حواسك ، وخفيت أنفاسك ، ورفع على القناة رأسك . وسبي أهلك كالعبيد ، وصفدوا في الحديد ، فوق أقتاب المطيات ، تلفح وجوههم حر الهاجرات ، يساقون في البراري والفلوات ، أيديهم مغلولة إلى الأعناق ، يطاف بهم في الأسواق .
*
فالويل للعصاة الفساق ، لقد قتلوا بقتلك الإسلام ، وعطلوا الصلاة والصيام ، ونقضوا السنن والأحكام ، وهدموا قواعد الإيمان ، وحرفوا آيات القرآن ، وهمجوا في البغي والعدوان ، لقد أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أجلك موتورا ، وعاد كتاب الله عز وجل مهجورا ، وغودر الحق إذ قهرت مقهورا ، وفقد بفقدك التكبير والتهليل ، والتحريم والتحليل ، والتنزيل والتأويل ، وظهر بعدك التغيير والتبديل ، والإلحاد والتعطيل ، والأهواء والأضاليل ، والفتن . فقام ناعيك عند قبر جدك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فنعاك إليه بالدمع الهطول ، قائلا يا رسول الله ، قتل سبطك وفتاك ، واستبيح أهلك وحماك ، وسبيت بعدك ذراريك ، ووقع المحذور بعترتك وذويك ، فانزعج الرسول وبكى قلبه المهول ، وعزاه بك الملائكة والأنبياء ، وفجعت بك أمك الزهراء ، واختلف جنود الملائكة المقربين ، تعزي أباك أمير المؤمنين ، وأقيمت لك المأتم في أعلى عليين ، ولطمت عليك الحور العين . وبكت السماء وسكانها ، والجنان وخزانها ، والهضاب وأقطارها ، والبحار وحيتانها ، ومكة وبنيانها ، والجنان وولدانها ، والبيت والمقام ، والمشعر الحرام ، والحل والإحرام . اللهم فبحرمة هذا المكان المنيف ، صل على محمد وآل محمد ، واحشرني في زمرتهم ، وأدخلني الجنة بشفاعتهم ، اللهم إني أتوسل إليك ، يا أسرع الحاسبين ، ويا أكرم الأكرمين ، ويا أحكم الحاكمين ، بمحمد خاتم النبيين ، ورسولك إلى العالمين أجمعين ، وبأخيه وابن عمه الأنزع البطين ، العالم المكين ، علي أمير المؤمنين ، وبفاطمة سيدة نساء العالمين ، وبالحسن الزكي عصمة المتقين ، وبأبي عبد الله الحسين أكرم المستشهدين ، وبأولاده المقتولين ، وبعترته المظلومين ، وبعلي بن الحسين زين العابدين ، وبمحمد بن علي قبلة الأوابين ، وبجعفر بن محمد أصدق الصادقين ، وبموسى بن جعفر مُظهر البراهين ، وبعلي بن موسى ناصر الدين ، وبمحمد بن علي قدوة المهتدين ، وبعلي بن محمد أزهد الزاهدين ، وبالحسن بن علي وارث المستخلفين ، وبالحجة على الخلق أجمعين ، أن تصلي على محمد و آل محمد الصادقين الأبرين ، آل طه وياسين ، وأن تجعلني في القيامة من الآمنين المطمئنين ، الفائزين الفرحين المستبشرين .
*
اللهم اكتبني في المسلمين ، وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ، وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ، وانصرني على الباغين ، واكفني كيد الحاسدين ، واصرف عني مكر الماكرين ، واقبض عني أيدي الظالمين ، واجمع بيني وبين السادة الميامين ، في أعلى عليين ، مع الذين أنعمت عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ ، وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ ، برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم إني أقسم عليك بنبيك المعصوم ، وبحكمك المحتوم ، ونهيك المكتوم ، وبهذا القبر الملموم ، الموسد في كنفه الإمام المعصوم ، المقتول المظلوم ، أن تكشف ما بي من الغموم ، وتصرف عني شر القدر المحتوم ، وتجيرني من النار ذات السموم . اللهم جللني بنعمتك ، ورضني بقسمك ، وتغمدني بجودك وكرمك ، وباعدني من مكرك ونقمتك . اللهم اعصمني من الزلل ، وسددني في القول والعمل ، وافسح لي في مدة الأجل ، وأعفني من الأوجاع والعلل ، وبلغني بموالي وبفضلك أفضل الأمل . اللهم صل على محمد وآل محمد ، واقبل توبتي ، وارحم عبرتي ، وأقلني عثرتي ، ونفس كربتي ، واغفر لي خطيئتي ، وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي . اللهم لا تدع لي في هذا المشهد المعظم ، والمحل المكرم ، ذنبا إلا غفرته ، ولا عيبا إلا سترته ، ولا غما إلا كشفته ، ولا رزقا إلا بسطته ، ولا جاها إلا عمرته ، ولا فسادا إلا أصلحته ، ولا أملا إلا بلغته ، ولا دعاء إلا أجبته ، ولا مضيقا إلا فرجته ، ولا شملا إلا جمعته ، ولا أمرا إلا أتممته ، ولا مالا إلا كثرته ، ولا خلقا إلا حسنته ، ولا إنفاقا إلا أخلفته ، ولا حالا إلا عمرته ، ولا حسودا إلا قمعته ، ولا عدوا إلا أرديته ، ولا شرا إلا كفيته ، ولا مرضا إلا شفيته ، ولا بعيدا إلا أدنيته ، ولا شعثا إلا لممته ، ولا سؤالا إلا أعطيته . اللهم إني أسألك خير العاجلة ، وثواب الآجلة ، اللهم أغنني بحلالك عن الحرام ، وبفضلك عن جميع الأنام ، اللهم إني أسألك علما نافعا ، وقلبا خاشعا ، ويقينا شافيا ، وعملا زاكيا ، وصبرا جميلا ، وأجرا جزيلا . اللهم ارزقني شكر نعمتك عليّ ، وزد في إحسانك وكرمك إليّ ، واجعل قولي في الناس مسموعا ، وعملي عندك مرفوعا ، وأثري في الخيرات متبوعا ، وعدوي مقموعا . اللهم صل على محمد وآل محمد الأخيار ، في آناء الليل وأطراف النهار ، واكفني شر الأشرار ، وطهرني من الذنوب والأوزار ، وأجرني من النار ، وأحلني دار القرار ، واغفر لي ولجميع إخواني وأخواتي المؤمنين والمؤمنات ، برحمتك يا أرحم الراحمين .